بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
حسنُ جدًا أن يهتم كثيرُ من العرب بمعاناة أهل غزة تحت القصف المتواصل والحصار المطبق. ولكن بعض هذا الاهتمام الحسن لا ينم عن نية حسنة. نجد بين المهتمين من يُحملون المقاومة المسئولية عن معاناة أهل غزة، ويعتبرون بالتالى أن الكيان الإسرائيلى ليس المسئول الأول عن الإبادة الشاملة وإن كانوا لا يفصحون عن ذلك. وبين هؤلاء من يكرهون المقاومة، ويجدون فى مأساة قطاع غزة فرصةً لمهاجمتها.
لا يذرف هؤلاء أيًا من دموع التماسيح على أهل السودان, رغم أن محنتهم لا تقل عن معاناة أهل غزة, لسبب بسيط هو أن هذه المحن ناتجة من حرب داخلية، وليس من كفاح ضد احتلال غاشم. ومع ذلك ربما يرجع عدم اهتمامهم بمعاناة السودانيين إلى عدم معرفتهم بالمدى الذى بلغته مأساتهم. ولذا نسوق إليهم ملخصًا غير وافٍ لتقريرٍ حديث إنه صادر عن برنامج الأغذية العالمى الذى ينشط فى السودان منذ بداية الحرب, التى دخلت قبل أيام عامها الثالث. يفيدنا التقرير بأن السودان يشهد ما يسميها أكبر أزمة جوع فى التاريخ الحديث نتيجة استمرار تدمير سبل العيش، وإعاقة وصول المساعدات. فقد تم تأكيد حدوث مجاعة للمرة الأولى فى أغسطس 2024 فى مخيم زمزم شمال دارفور. وامتدت المجاعة بعد ذلك إلى عشر مناطق أخرى تعانى مما يسميه معدو التقرير مستويات كارثية من الجوع. ولا يعنى هذا أن الأوضاع على مايرام فى المناطق الأخرى. فقد حدثت, ومازالت, أزمات جوع متفاوتة فى بعضها فى أوقات مختلفة تصاعد القتال فيها، أو مُنع وصول المساعدات المُنقِذة للحياة إليها، أو تعذر توزيع محتويات الشاحنات لأسابيع بسبب تدهور الوضع الأمنى. ووفقًا لهذا التقرير يواجه نحو نصف السودانيين الباقين، سواء المقيمون فى مناطقهم أو النازحون داخليًا من انعدام الأمن الغذائى. فلا ننسى أن مأساة السودان ليست فى أزمات الجوع فقط. فقد أرغم أكثر من 15 مليون سودانى على مغادرة منازلهم ومناطقهم إما نزوحًا إلى الداخل، أو لجوءًا إلى دول مجاورة أهمها مصر. ولكن بعض المتباكين على غزة لا يبكون على السودانيين لأن إسرائيل وأمريكا ليستا السبب الرئيسى فى محنته الراهنة.