بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
معذورون من يتخيلون أن وراء قرار الدائرة التمهيدية الأولى فى محكمة الجنايات الدولية توقيف مجرمى حرب كبيرين فى الكيان الإسرائيلى شيئًا مريبًا. إنهم لا يصدقون أنه أُصدر لأنه حق, ويتخيلون أن الهدف منه تلبيس اثنين فقط من مجرمى الحرب الصهاينة الجرائم التى ارتُكبت، ومازالت، بدلا من الكيان الإسرائيلى كله. ولكن هذا الكيان ليس متهمًا فى المحكمة التى أصدرت دائرتها التمهيدية القرار، بل فى محكمة العدل الدولية التى نرجو أن يقتدى قادتها الخاضعون بدورهم لضغوطٍ بنظرائهم فى محكمة الجنايات التى هى محكمة أفراد.
ثمة شىء يُدبر فى الخفاء, إذن, وراء قرار توقيف نيتانياهو وجالانت. هذا ما يسيطر على عقول من لا يُصَّدقون أن قرار توقيفهما هو أقل إجراء قانونى عادل يمكن أن يُتخذ بعد كل هذه الجرائم. وهناك أيضًا من يفتش فى منطوق القرار عما يدعم اعتقاده فى أنه لم يصدر إحقاقًا لحق. يقولون مثلا إن قرار التوقيف بُنى على أن أفعال نيتانياهو وجالانت «يمكن أن تُشكل جرائم حرب». وهذا يعنى عند بعضهم أنه لا يجزم بارتكابهم هذه الجرائم، وعند آخرين منهم التشكيك فى أنهم ارتكبوها. ولكنهم ينسون أن هذه هى الصيغة المعتمدة فى قرارات توقيف أشخاص أو استدعائهم سواء فى القضاء الوطنى أو الدولى، لأنهم مطلوبون إما لمحاكمتهم أو للتحقيق معهم. وهذه إدانة مبدئية نظرًا لتوافر أدلة كافية اقتنع بها المدعى العام، ثم قضاة الدائرة التمهيدية، وإلا ما طلبوا توقيف المجرمين وإحالتهما على المحاكمة.
والأهم من هذا كله أنها إدانة سياسية وأخلاقية ووصمة عار تضع الكيان الإسرائيلى كله فى موضع لا سابق له فى تاريخه الاستعمارى. وهذا هو ما سعى إليه من طلبوا إلى المحكمة النظر فى أفعالهما منذ بداية العدوان. وقد تحقق لهم، ولكل أنصار الحرية، ما أرادوه بغض النظر عن تنفيذ القرار واعتقال المجرمين من عدمه. ولهذا وجب على من لا يصدقون أن يُصدِقوا، ومن يتخيلون أن قرار المحكمة مُسيَّس أن يراجعوا موقفهم ويلاحظوا أنهم يُردَّدون ما تُروَّج له آلة الدعاية الصهيونية الأمريكية، ولكن من موقع آخر.