د. وحيد عبدالمجيد
تتمتع القلة المهيمنة على السوق فى مصر بامتيازات هائلة ومستمرة على مدى نحو أربعة عقود. وهى تُدرج ضمن الفئات الاجتماعية الأكثر حظا فى العالم، من زاوية ثبات الامتيازات وعدم مراجعة أى منها على مدى هذه الفترة الطويلة. فهى ليست وحدها التى تتمتع بامتيازات تعفيها من مسئوليتها الاجتماعية، وتضعها فوق المجتمع، وتمكَّنها من الحصول على مكاسب تفوق ما تستحقه بكثير، وتؤدى إلى انتشار الفقر وزيادة التفاوت الاجتماعى بكل أخطاره على الاقتصاد والنظام السياسى، وليس فقط على الفقراء والطبقة الوسطى.
لقد ازداد الاتجاه إلى تدليل الفئات الأكثر ثراءً فى العالم فى ظل صعود النسخة المشوهة من الليبرالية بكل توحشها منذ أواخر سبعينيات القرن الماضى، أى فى الفترة التى تحولت دفة السلطة فى مصر فى هذا الاتجاه نفسه. غير أنها قليلة البلاد التى تمتعت فيها القلة المحظوظة بامتيازات منقطعة النظير بشكل متواصل على مدى أربعة عقود دون انقطاع. ومازالت مصر فى مقدمة هذه البلاد التى انحازت السلطة فيها إلى الرأسمالية الأكبر حجماً والأكثر جشعاً. تغيرت قمة هذه السلطة عدة مرات، دون أن تتغير سياسات تمكين القلة المترفة من رقبة المجتمع ومساعدتها فى استغلاله.
وفى الوقت الذى ما برح المصريون فى انتظار تغيير ولو جزئى فى هذه السياسات، يبادر الرئيس الأمريكى أوباما بإضافة ضريبة مستحدثة فى مشروع الموازنة العامة الجديدة، وهى ضريبة على المكاسب الخارجية اللاحقة للشركات التى تتخذ من الولايات المتحدة مقراً بحد أدنى 19 فى المائة، وضريبة أخرى على أرباحها المتراكمة بنسبة 14 فى المائة متجاوزاً, مستندا على أولوية قاعدة وضع حد أقصى للأرباح الرأسمالية.
وينبهَّنا ذلك إلى ضرورة وضع حد للخطيئة المستمرة فى بلادنا منذ عقود، وهى امتناع السلطة المنحازة للقلة الأكثر ثراء عن فرض ضرائب تصاعدية ووضع حد أقصى للأرباح الرأسمالية التى تبلغ فى بعض القطاعات مستويات فلكية يقل وربما يندر مثلها فى العالم. والسؤال الذى ينتظر جواباً سريعاً هو: إلى متى تستمر هذه الخطيئة، ولماذا نتجاهل ما نص عليه الدستور الجديد بشأن الضرائب التصاعدية؟