د. وحيد عبدالمجيد
إذا كان التكفير الدينى خطيئة، فالتكفير السياسى أى التخوين رذيلة. وما نوعا التكفير هذان إلا وجهان للعملة الرديئة نفسها، وهى احتكار الحقيقة ورفض الآخر والسعى إلى إقصائه أو القضاء عليه.
ومن سوء حظ مجتمعنا أن يتكالب عليه ميل إلى التخوين فى الوقت الذى أنهكته نزعة التكفير الدينى، ليزداد الخطر الذى يهدد نسيجه وتماسكه التاريخى.
ورغم أن صيحات التخوين واتهام المختلفين فى الرأى بالخيانة صارت معتادة فى بعض وسائل الإعلام، لابد أن يزداد القلق من تداعياتها السلبية عندما تصل إلى خشبة المسرح الذى ظل منبراً لمقاومة مثل هذه النزعات فى مصر، كما فى العالم، فى الأغلب الأعم.
فقد وجد التخوين طريقه إلى »مسرح الدولة« عبر المسرحية التى تقدمها إحدى فرقه، وتروى قصة رجل أُصيب بطلق نارى خلال ثورة 25 يناير فدخل فى غيبوبة لم يفق منها إلا مع ثورة 30 يونيو. والرسالة هنا أن الثورة أصابت مصر بغيبوبة نتيجة مؤامرات داخلية وخارجية. وتوجه المسرحية هذه الرسالة بشكل مباشر وبطريقة شبه خطابية، وتوزع اتهامات صريحة بالخيانة والتآمر، وبطريقة تلقينية لا فن فيها بل سياسة مباشرة,
وشتان بين هذا الدور التخوينى لـ »الفن«، والدور المقاوم للتخوين الذى قام به فى مواجهة الهجمة التى تعرض لها اليسار فى الولايات المتحدة فى خمسينيات القرن الماضى وتُعرف بـ »المكارثية« نسبة إلى قائد تلك الهجمة السناتور جون مكارثى.
فقد لجأ فنانون وأدباء أمريكيون إلى السينما والمسرح لمواجهة التخوين، وقدموا عدداً من الأعمال التى تدخل فى إطار الروائع. ومنها على سبيل المثال فيلم »سبارتاكوس« الذى عُرض فى مصر، ويذكره المهتمون بالسينما على الأقل لأن النجم العالمى كيرك دوجلاس قام ببطولته، وأخرجه مخرج كبير هو ستانلى كوبريك.
كما كتب له السيناريو دوالتون ترامبو فى تحد لـ »المكارثية« التى حظرت التعاون معه، اعتماداً على رواية لمثقف يسارى آخر من ضحاياها هو هوارد فاست.
وكان هذا الفيلم برمزية سبارتاكوس وموقعه فى التاريخ، كما ببعض صانعيه، فعلا مقاوما ضد موجة التخوين التى لم تصمد فى الولايات المتحدة. وكان للفن دور معتبر فى إيقاظ الوعى بخطرها، بخلاف ما يفعله قطاع من »الفن« فى مصر الآن.