د. وحيد عبدالمجيد
مازالت السياسة الاقتصادية الراهنة مسكونة بهاجس زيادة معدل النمو السنوى، مثلما كانت الحال على مدى أكثر من ثلاثة عقود. وما «فوبيا» النمو الكمى أو الرقمى مجردا من المعايير النوعية إلا أحد تجليات الاتجاه الليبرالى الجديد «النيوليبرالية» الذى اجتاح العالم منذ سبعينيات القرن الماضى، وأنتج خمس أزمات اقتصادية مالية كبرى خلال ربع قرن فقط، مقابل أزمتين فقط خلال نصف القرن السابق على ظهوره.
وتعد أزمة 2008 التى مازالت تداعياتها مؤلمة فى بعض المناطق هى الخامسة فى سلسلة هذه الأزمات التى بدأت بأزمة 1992 فى أوروبا، ثم أزمة 1997 فى شرق آسيا، وأزمة 1999 فى روسيا وأمريكا اللاتينية، وأزمة 2001 فى الولايات المتحدة وأوروبا.
ولذلك يصعب أن ننتظر من سياسة تعتمد على هذا الاتجاه أن تحل المشكلات التى أنتجتها سياسات تنتمى إليه فى مصر منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى. فقد ارتفع معدل النمو حتى وصل إلى 7% فى العقد السابق على ثورة 25 يناير. ولكن معدل الفقر ارتفع بدوره، فازداد عدد الفقراء ونسبتهم واشتد فقر قطاعات واسعة من الفقراء.
ولذلك ينبغى الانتباه إلى أن العبرة ليست بمعدل النمو، بل بمضمونه الذى يقاس بنوع القطاعات التى يتحقق فيها. وعلينا إدراك أنه ما لم يكن ارتفاع معدل النمو مرتبطاً بقطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والاقتصاد الجديد (اقتصاد المعرفة)، سيظل أثره ضعيفاً على المستوى الاقتصادى وفادحاً على المستوى الاجتماعى.
ولذلك ينبغى وضع حد لـ«فوبيا» النمو فى قطاع المقاولات، الذى توليه «النيوليبرالية» أهمية كبرى لمجرد أن نموه يؤدى إلى تشغيل قطاعات أخرى. وينبغى أن ندرك، فى هذا السياق تحديداً، أن أى توسع جديد فى بناء المساكن الفاخرة و«الكومباوندات» والمنتجعات المرَّفهة أصبح عبئاً على الاقتصاد والمجتمع، وربما يجوز اعتباره نوعاً من الجنون لأنه يبدد مدخرات بعض الشرائح الاجتماعية ويوجهها فى الاتجاه الخطأ، وكأنه يدفنها تحت الحديد والأسمنت والطوب والرمل.
وليس هذا إلا نذرا يسيرا من أعطاب «النيوليبرالية» جالبة البؤس والتعاسة لأغلبية البشر فى مختلف البلاد المصابة بدائها، والعاجزة عن الشفاء من مرضها العضال.