د. وحيد عبدالمجيد
عندما يُقاس الإنسان بما يملكه من مال، ويصبح الأكثر ثراء هو الأعلى مرتبة، يكون المجتمع قد أخذ طريقه إلى هاوية قد لا ينجو منها إذا لم يحدث تغيير فى نسق القيم السائد فيه.
أما حين يُقاس الإنسان بحجم استهلاكه ونوعه، وقدرته على امتلاك سلع لا يحتاج إليها والتمتع بخدمات لا تفيده فى شىء ، يكون هذا المجتمع قد سقط فى الهاوية بالفعل.
غير أن هذه هاوية بلا قاع. ولذلك لا يدرك من يسقطون فيها أين صاروا، ولا إلى أين يتجهون. وهم لا يعون هول ما يفعله فيهم التطور المذهل فى تقنيات الإعلان التجارى والتسويق والترويج. فقد أنتج هذا التطور حالة يزداد فى ظلها الطلب على ما لا يحتاجه الناس، وينتشر عبرها التطلع إلى اقتناء سلع لا ضرورة لإنتاجها أصلاً، ويتنامى بواسطتها تحول الاستهلاك إلى هدف فى حد ذاته، وتتدنى بسببها قيمة العمل والإنتاج.
ولا يعرف من يقعون أسرى هذه الحالة أنهم فقدوا القدرة على التمييز والاختيار، وصاروا عبيداً فى منظومة تحدد لهم حاجاتهم بالنيابة عنهم، وتنتج لهم ما يلبى هذه الحاجات المصنوعة. وفى هذه المنظومة الجهنمية، ينفلت الاستهلاك من المعايير العقلية للحاجات المادية الأساسية التى ينبغى الوفاء بها، ويتجاوز الإنتاج غايته الأساسية وهى إشباع هذه الحاجات مادام هناك تقدم مهول فى ترويج ما يُنتج دون أن تكون هناك حاجة إليه.
ولا يدرك من يقعون فى حبائل هذه المنظومة أنهم باتوا فى حالة اغتراب تم استيعابهم فى جوانبها المتعددة بما تشمله من أشياء وعلامات تجارية وموضات جديدة، وما تقترن به من رموز ودلالات.
وهم لا يعون أيضاً أنهم صاروا جزءاً لا يتجزأ من هذه المنظومة التى بلغت عملية تنميط السلع فى ظلها مستوى لم يكن أحد يتخيله فى بداية الثورة الصناعية مهما اشتط به الخيال. وبعد أن كانت هذه الحالة محصورة أو على الأقل مركزة فى حدود معينة مثل تجديد السيارة والمنزل والساعة، فضلاً عن الملابس بطبيعة الحال، أصبحت تشمل كل شىء
ولكن أهم ما يغفله المرء، وقد صار أسير هذه المنظومة، أن قيمته الإنسانية تتدنى بمقدار استغراقه فيها واستعبادها له.