د. وحيد عبدالمجيد
الفرق كبير، بل جوهرى، بين قيادة دولة وإدارة شركة خاصة. وما الأزمة الشاملة التى تواجه مصر الآن إلا نتيجة عوامل فى مقدمتها أن نظام حسنى مبارك أدارها كما لو أنها شركة، خاصة لها إدارة عليا تضم أصحاب هذه الشركة وفيها موظفون يعملون لدى هذه الإدارة فى غياب أى قواعد مؤسسية.
ولذلك يتطلب البدء فى حل هذه الأزمة تصحيح الاختلالات التى نتجت عن الخلط بين الدولة والشركة على المستويين السياسى والاقتصادى.
فالسلطة فى الدولة الحديثة تعمل لدى الشعب، بخلاف إدارة الشركة الخاصة التى تستطيع التصرف فيها كما تشاء والتعامل مع الموظفين الذين يعملون لديها وفق مصالحها.
وتخضع السلطة فى الدولة الديمقراطية للمساءلة والمحاسبة بخلاف إدارة الشركة الخاصة. كما يمكن للشعب تغيير السلطة فى الدولة الديمقراطية، وهو ما لا يستطيعه الموظفون فى الشركات التى تفتقد القواعد المؤسسية.
ولذلك لا تشعر الإدارات بأي مسئولية تجاه العاملين فى مثل هذا النوع من الشركات. وحين تدار الدولة بطريقة مماثلة، لا تتحمل السلطة مسئوليتها السياسية والاجتماعية تجاه الشعب.
وإذا كانت ثورة 25 يناير أحدثت تغييرا فى طريقة اختيار الشعب المصرى للسلطة على نحو يفرض على هذه السلطة تحمل مسئوليتها السياسية، فلن يكتمل هذا التغيير دون الالتزام بالحريات والحقوق التى يكفلها الدستور. فلم تتحمل السلطة مسئوليتها السياسية فى تاريخ العالم الحديث إلا عندما أدركت أن الشعب يستطيع محاسبتها، وأنها لا تملك القدرة على الاستمرار إلا إذا كسبت رضاءه.
وعندما يوجد يقين بأن الشعب هو مصدر السيادة بالفعل، سيكون على أي سلطة منتخبة أن تتحمل مسئوليتها السياسية. وتفرض هذه المسئولية تبنى سياسات اجتماعية عادلة، وخاصة فى ظروف مصر التى افتقدت هذه السياسات لفترة طويلة ازداد خلالها الفقر والتهميش وتوسع نطاقهما، وتفاقم التفاوت بين فئات المجتمع.
فالدولة الديمقراطية لا يكون لها من هذه الصفة نصيب إلا إذا تبنت السلطة فيها سياسة اجتماعية تهدف إلى تحقيق العدالة. وهذا هو ما يجعلها مختلفة عن الشركة التى تهدف إدارتها إلى تحقيق الربح.