د. وحيد عبدالمجيد
صدق كارل ماركس عندما قال إن التاريخ يمكن أن يكرر (أو يعيد) نفسه، ولكن إما فى صورة مأساة أو ملهاة. ومن الصعب أن نميز ما إذا كان رفض بعض أعضاء مجلس النواب الليبى المنتخب فى يونيو الماضى قرار المحكمة العليا ببطلان انتخاب هذا المجلس، بحجة أنه زسيد قرارهس يندرج فى إطار المأساة أم الملهاة.
فقد وجد هؤلاء فى الزعم بأن البرلمان هو زسيد قرارهس الذريعة الوحيدة لرفض قرار المحكمة التى سبق أن ارتضوا الاحكتام إليها. وكان بعض قادة زالاخوانس حاولوا استخدام هذه الذريعة (المصرية المنشأ) ضد قرار مشابه للمحكمة الدستورية فى مصر عام 2012, ولم يفلحوا0
ولا غرابة فى تكرار المأساة أو الملهاة فى ليبيا الآن، لأن أنصار الاستبداد بكل اتجاهاتهم يجدون ذرائعهم لدى من سبقوهم إلى احتكار السلطة. ومن الطبيعى أن يكون د. فتحى سرور صاحب الزعم بأن البرلمان سيد قراره، والذى ظل على منصة مجالس مزورة بدرجات مختلفة زهاء عقدين من الزمن، مرجعا فى هذا المجال.
ولا يثير استغراباً أيضاً، والحال هكذا، أن يتنصل أتباع جماعة زسيد قرارهس الليبية من تعهدهم باحترام قرار المحكمة العليا بشأن مشروعية مجلس النواب عندما جاء مخالفاً لما يريدونه. فأمثال هؤلاء لا يحترمون القضاء إلا إذا حكم لصالحهم، أو صار تابعاً لسلطانهم ونفوذهم وتخلى عن استقلاله.
فقد أشادوا فى بداية العام الحالى بالمحكمة نفسها، التى لم يتغير أى من أعضائها، عندما قررت بطلان تشكيل المؤتمر الوطنى العام حكومة أحمد معيتيق، ولم يتركوا وصفاً إيجابياً إلا وأضفوه عليها. وكان التزام مختلف الأطراف بما فيها تلك المتهمة الآن بأنها إرهابية بقرار إبطال حكومة معيتيق هو الذى فتح الباب أمام إجراء انتخابات مجلس النواب، الذى قررت المحكمة نفسها بطلانه يوم الخميس الماضي.
ولأن الذهنية الشمولية مغلقة ومحدودة الأفق بطابعها، لا يدرك رافضو قرار المحكمة الليبية الخسائر التى يلحقونها بموقفهم, بما فى ذلك شق صف القوى التى تصف نفسها بأنها تمثل «الدولة» بعد أن قبل بعضها قرار المحكمة العليا، وأعلنوا احترام أحكام القضاء. وهذا هو الموقف الذى ينسجم مع مفهوم بناء الدولة، فضلاً عن الصدقية التى يضفيها على من يتبنون مثله. ولكن جماعة «سيد قراره» أضعفت هذه الصدقية. وأياً كان الأمر، فقد تبين مجدداً أنه لا بديل عن حوار وطنى جاد يستند إلى المبادئ الواردة فى مبادرة دول الجوار الصادرة فى 25 أغسطس الماضى فى القاهرة.