إيران من الصحوة إلى الصدمة

إيران.. من الصحوة إلى الصدمة

إيران.. من الصحوة إلى الصدمة

 العرب اليوم -

إيران من الصحوة إلى الصدمة

مصطفى فحص

أتاح الانكفاء في السياسات الخارجية الذي يمارسه الرئيس الأميركي باراك أوباما، الفرصة أمام طهران للتصرف كدولة عظمى إقليمية، يمتد مجالها الحيوي من بحر قزوين حتى ساحل الناقورة، آخر نقطة حدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وسمح لها الانسحاب الأميركي من العراق، وفشل واشنطن في إقناع بغداد الواقعة تحت الضغوط الإيرانية، بتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية ثنائية، أن تملأ الفراغ الأميركي من أفغانستان إلى لبنان مرورا بسوريا والعراق.
لكن ما لم يكن في حسبان صناع القرار في طهران، أن الشعوب العربية قررت النزول إلى الشارع، وأن العدوى التونسية - المصرية سرعان ما انتقلت إلى سوريا، التي روّج نظامها ومن يدافع عنه، أن الشعب السوري يختلف عن الشعوب الأخرى في علاقته مع نظامه، من حيث التوافق الشعبي والرسمي على السياسات الوطنية والخيارات القومية، حيث قرر الشعب السوري إسقاط هذه المنظومة التي حُشر داخلها عقودا طويلة، فخرج مطالبا بحقوقه وكرامته، معتبرا أن حريته الشخصية شرط لتحرره من قبضة النظام وإسقاط هيبته لصالح كرامة المواطن، وخرج مطالبا بحقوقه السياسية قبل رغيف الخبز، مما دفع طهران إلى التنبه باكرا إلى أن مطالب الشعب السوري تتعارض مع نظام مصالحها السلطوية لا الشعبية، فقررت الوقوف إلى جانب الأسد في ضرب الثورة السورية، وما لبثت أن تحولت إلى شريك فعلي في عملية القمع، مستخدمة كل الإمكانيات والعتاد المتاح أمامها من أجل إخماد هذه الانتفاضة.
لقد عزز التلكؤ الأميركي أو ما هو أسوأ من التلكؤ الأميركي، إضافة إلى الضياع الغربي عموما والأخطاء العربية والإقليمية في دعم الثورة السورية، شعور الثقة لدى طهران أنه بإمكانها فرض واقع سياسي وجغرافي جديد يخضع لنفوذها وسيطرتها، ويمتد من بغداد إلى بيروت، وذلك بعد أن تتمكن من إخماد الثورة السورية وتثبيت نظام بشار الأسد.
هذه الصحوة الإيرانية بالتوسع الجيوسياسي، على حساب تطلعات شعوب المنطقة ومستقبل دولها واستقلالها، جاء على خلفية فرصة ذهبية قدَّرتها طهران أنها للتعويض عما كانت تطمح لتحقيقه منذ خمسة قرون تحديدا، حين وضع السلطان العثماني سليم الأول الحد لهذه الرغبات التوسعية الإيرانية، وهزم الجيش الصفوي في واقعة جالديران 1514، وكاد يقضي على أسس الدولة الصفوية، ودفعت هذه الواقعة العثمانيين إلى الإسراع ببسط سيادتهم على شرق المتوسط والتوجه نحو أوروبا، ومنع إيران من تجديد نفوذها الإمبراطوري التاريخي الكامن في الذاكرة والأحلام الفارسية.
لكن الصحوة الإيرانية الجديدة تواجه اليوم صدمتين؛ الأولى، إصرار الشعب السوري على الوصول إلى مبتغاه مهما كانت التضحيات، والثانية، خروج الأقاليم السنية العراقية ذات الطابع الجغرافي الحساس، عن سلطة الحكومة المركزية في بغداد، وهو خروج أدى إلى الفصل بين مكونات الامتداد الإيراني شرقا، وبات يمثل تهديدا جديا للأمن القومي الإيراني ومشاريعه خاصة بعد انفجار الوضع العراقي، الذي ينذر بأن يحيط القمر العراقي بالهلال الإيراني ويحاصره.
سعت إيران في مشروع هيمنتها قبل الربيع العربي، إلى الإيقاع بين الشعوب العربية وأنظمتها، لكنها اليوم، دخلت في مواجهة مفتوحة مع بعض هذه الشعوب، وساندت بعض الأنظمة، هذا التناقض الذي وقعت فيه، ساهم في انكشاف نياتها، وإحراجها، وألغى كل فرصة للتسوية مستقبلا، وأدى في الوقت ذاته إلى استنزافها ماديا وبشريا، وإنهاك شركائها، ودفعها إلى استخدام كل أوراقها في معركة كلما طال أمدها، انعكست سلبا على قدرتها على احتوائها.
في لحظة ضعف تاريخية انتفض الشعب التركي على مشاريع تقسيم دولته بعد الحرب العالمية الأولى، فخاض حرب استقلال بأقل الإمكانيات المتاحة، وحافظ على وحدة أراضيه وهيكل دولته. في المقابل، وعلى الرغم من كل الضعف العربي، فإنه من المستحيل أن تفرض إيران إرادتها على الشعوب العربية، أو أن تتمكن من تحقيق طموحاتها، أو أن تنفذ مشروعها المبني على المبالغة بالقوة، واحتمالات التراجع العربي، حتى لو وجدت من يتواطأ معها، ففي هذه المرحلة الدقيقة تقدمت الشعوب فلحقت بها أنظمتها، فتحولت الصحوة الإيرانية إلى صدمة والصدمة العربية إلى مشروع صحوة ممكنة، ولعل لقاء مطار القاهرة السريع في 20 الشهر الحالي أول الدلائل.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران من الصحوة إلى الصدمة إيران من الصحوة إلى الصدمة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab