إيران خسارة المبررات الجيو ـ عقائدية

إيران... خسارة المبررات الجيو ـ عقائدية

إيران... خسارة المبررات الجيو ـ عقائدية

 العرب اليوم -

إيران خسارة المبررات الجيو ـ عقائدية

مصطفى فحص
بقلم : مصطفى فحص

لم يعد سراً أن القيادة الإيرانية تقود مباشرة عملية إجهاض الانتفاضة العراقية، وهي في الظاهر تدَّعي، أو تتصرفُ كأنها تقف إلى جانب نظام يواجه حالة تمرد وفوضى تأخذ العراق - أي عراقها - إلى المجهول، ولكنها ضمنياً - أي في عمق الأزمة - تدافع عن نفوذها ومستقبل نظامها، فالأزمة الإيرانية المركبة في العراق تأخذ أبعاداً حساسة تفرض على نظام الملالي خوض مواجهة قاسية ودموية حتى النهاية، حتى لو كانت نتائجها غير مضمونة، كونه يدرك حجم الارتباط ما بين مشروعه التوسعي ومشروعيته العقائدية التي تبدأ وتنتهي في العراق.

فبالنسبة لطهران، يمثل العراق ما بعد 2003 رمزية نفوذها وشرط استمراره؛ حيث تمكنت من خلال هيمنتها عليه من شرعنة توسعها الجيو - عقائدي، مستفيدة من عدة عوامل تربطها اجتماعياً وثقافياً وروحياً مع الأغلبية الشيعية في العراق، إضافة إلى صلتها التاريخية مع الحواضر الدينية والمدارس الفقهية (الحوزات). فمما لا شك فيه أن هذه العوامل الثابتة في العلاقة ما بين إيران والعراق، على مدى قرون، قد حققت لها مشروعية مركبة في نسج حضورها وتعزيز نفوذها، الذي تعزز بعد سقوط نظام صدام حسين نتيجة لظروف سياسية وأمنية معقدة دفعت شيعة العراق إلى أحضانها، ولكن نتيجة لتعاملها مع اللجوء العراقي الظرفي إليها بعقلية التبعية، وإلغاء الخصوصيات الوطنية العامة والاجتماعية الخاصة، انفجرت بوجهها الحساسيات الوطنية والثقافية، خصوصاً في البيئة الشيعية، وتحولت إلى تمرد شعبي شبابي؛ فاجأها وفاجأ وكلاءها في العراق برفضه المطلق لاستمرار العملية السياسية، وفقاً لمثلث اللعنات (طائفي، مكوناتي، مناطقي) الذي تفرضه على العراقيين بمباركة أميركية. وتَمكنت الانتفاضة سريعاً من تغيير قواعد اللعبة السياسية، بعدما أعاد شبابها تعريف الهوية الوطنية، وضبط الهوية العقائدية طبقاً لشروط اجتماعية، مرتبطة بوعي جمعي متمسك بتحقيق أهدافه التي في حال نجاحها ستجرد النفوذ الإيراني من المشروعية الجغرافية، التي تؤّمن المبررات العقائدية لدعاة تصدير الثورة، وهي أصعب أزمة عقائدية سيواجهها نظام طهران منذ تأسيس الجمهورية الإيرانية سنة 1979.

عملياً، وضعت طهران نفسها في مواجهة الأغلبية الشيعية العراقية، وهي تواجه الآن خطر مواجهة شيعية شيعية تنحاز فيها للسلطة ضد الشعب في تكرار للتجربة السورية، وهي على الرغم من قسوة المواجهة والخسائر التي ستصيب كافة الأطراف، إلا أنها لن تتراجع عن خوضها، كونها تدرك جيداً حجم التداعيات السلبية، ليس فقط على دورها ونفوذها، بل على مستقبل نظامها، لو تمكنت الانتفاضة العراقية بخصوصيتها الشيعية من منح العراقيين هامشاً من حرية القرار والاستقلالية، الأمر الذي سيحرر الموقف الشيعي العراقي من هيمنتها، والأخطر أنه سيجعل العالم الشيعي برأسين، وسيمنح الطرف العراقي مصداقية أكبر وحضوراً أوسع نتيجة للنفوذ المعنوي الذي تتمتع به حوزة النجف مقابل حذر إقليمي عالمي من مشروعات طهران التوسعية على حساب شعوب المنطقة، واستغلالها للشيعة غير الإيرانيين، ومحاولة سلخهم عن مجتمعاتهم، مستفيدة من الصراعات الطائفية في المنطقة، وفشل الدول الوطنية.

في الذاكرة السوفياتية، سبق انعقاد مؤتمر المندوبين والمفوضين عن جمهوريات روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا وجمهوريات ما وراء القوقاز، في ديسمبر (كانون الأول) 1922، للتوقيع على معاهدة إنشاء اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية، سبقه جدل حول استقلال جمهورية أوكرانيا السوفياتية عن الاتحاد المزمع إنشاؤه، إلا أن الزعيم الثورة البلشفية فلاديمير لينين، اعتبر حينها أن أوكرانيا رأس الثورة، وإذا قطع الرأس ماتت الثورة، وفي الحالة الإيرانية يُعتبر العراق رأس الثورة الإيرانية، الذي لن تتخلى عنه طهران، لأنها بذلك ستتخلى عن وجودها، ودفاعاً عن هذا الوجود، أرسلت طهران كبير حراس ثورتها ومهندس تصديرها الجنرال قاسم سليماني، إلى بغداد، منذ الأيام الأولى لاندلاع المواجهات، في مهمة ليست فقط حماية رؤوس وكلائه في السلطة، بل من أجل حماية رأس الثورة، لكن الصدمة أن سليماني، الذي نجح في قمع الشعب الإيراني والسوري، لم ينجح حتى الآن في إخماد انتفاضة العراقيين، رغم الإفراط في استخدام العنف، لعله يجبر هؤلاء الشباب الذين فقدوا الثقة بكل الطبقة السياسية على التراجع.

وعليه، تتسع أزمة طهران بسبب مكابرتها، وفي اختلاقها الذرائع، ولكنها الآن أمام خيارات صعبة، حيث نفوذها المهدد بخسارة الجغرافيا، ودورها بخسارة غطائه العقائدي، خصوصاً بعد موقف المرجعية الدينية في النجف، التي أكدت أن المتظاهرين لن يعودوا إلى بيوتهم قبل تحقيق مطالبهم، فباتت النجف بثقلها المعنوي والعقائدي، وقدرة تأثيرها الواسعة على الشيعة في العالم، أقرب إلى ساحة التحرير من المنطقة الخضراء، وباتت طهران على تماس حاد معها - أي النجف - بشكل يهدد شرعيتها الجيو - عقائدية... وللحديث بقية.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران خسارة المبررات الجيو ـ عقائدية إيران خسارة المبررات الجيو ـ عقائدية



دينا الشربيني بإطلالات متفردة ولمسات جريئة غير تقليدية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:42 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

شولتس ينتقد مقترح ترامب بشأن غزة ويصفه بـ"فضيحة"
 العرب اليوم - شولتس ينتقد مقترح ترامب بشأن غزة ويصفه بـ"فضيحة"

GMT 02:14 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

غزة... الريفييرا و«الدحديرة»!

GMT 08:31 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

سيكون على إيران القبول بحكومة نوّاف سلام!

GMT 16:16 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

60 شاحنة إغاثية سعودية تنطلق إلى سوريا

GMT 15:13 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

حصيلة شهداء الحرب على غزة تتجاوز 48 ألفا

GMT 08:46 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

غزة بين خروج «حماس» أو ترحيل سكانها

GMT 13:20 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

أول تعليق من أصالة نصري بعد حذف أغنيتها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab