إيران وأحجية النظام

إيران وأحجية النظام

إيران وأحجية النظام

 العرب اليوم -

إيران وأحجية النظام

بقلم - مصطفى فحص

حالة الغموض في آلية صناعة القرار في إيران لا يمكن فصلها عن طبيعة الفرد الإيراني، ولعل مصدرها الأساسي الطبيعة الباطنية للمجتمعات الإيرانية، التي تركت أثراً عميقاً على جوانب الحياة الإيرانية كافة؛ السياسية والاجتماعية والعقائدية، فمنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية سنة 1979 وإلى الآن، يواجه العالم صعوبة في فهم هيكلية النظام الإيراني وآلية اتخاذه القرارات التي باتت أحجية يصعب فهمها أو تفكيكها، ورغم وضوح هرميته التي يمثلها «المرشد الأعلى» بصفته رأس النظام (الثيوقراطي)، ويليه في السلطة رئيس الجمهورية الذي يمثل رأس السلطة التنفيذية، فإن التراتبية بين مؤسسات صناعة القرار غير واضحة، وأصبحت سبباً للنزاع على الصلاحيات فيما بينها من جهة؛ وما بين مراكز النفوذ التي تقف خلفها أو تسيطر على قراراتها من جهة أخرى.

يوم الاثنين الماضي 21 ديسمبر (كانون الأول) الحالي وجّه الرئيس الإيراني حسن روحاني انتقادات صريحة وعلنية لمؤسسات النظام التي تعرقل عمل السلطة التنفيذية وتحاول تقييد صلاحياته، فقد اشتكى روحاني من تصرفات «مجلس صيانة الدستور» مع موقع رئاسة الجمهورية، واتهمه باعتماد تفسير مخالف لنص المادة الدستورية رقم «113»، بهدف نزع صلاحيات رئيس الجمهورية.

هجوم روحاني وصل إلى مجلس الشورى (البرلمان) أيضاً، رافضاً مطالب بعض النواب بالإشراف على عمل الوزراء، وعادّاً أن طلباً كهذا مخالفة واضحة للدستور، فقد استغرب في كلمة ألقاها في ندوة تحت عنوان: «الحقوق الدستورية والمواطنة اليوم» أن «بعض النواب يقولون يجب أن نراقب عمل الوزراء، لكن هذا تفسير غير كامل للدستور»، وتابع: «يحق للنواب توجيه أسئلة للوزراء والحكومة، لكن الإشراف على عمل الوزراء ليس من اختصاص البرلمان؛ بل عمل الرئيس».

حديث روحاني في هذه المرحلة المعقدة عن الصلاحيات وتوجيهه انتقادات لاذعة لمؤسسات الدولة، يكشف عن صراعات محتدمة بين أجنحة النظام من أجل فرض نفوذها وإحكام سيطرتها على آليات صناعة القرار في هذا التوقيت، لا يمكن فصلها عمّا يدور داخل الأروقة المغلقة حول الاستعدادات المبكرة للمرحلة الانتقالية ما بعد المرشد، كما أنها تعكس تبايناً في وجهات النظر بين هذه القوى المتنافسة حول عودة المفاوضات النووية مع واشنطن، خصوصاً بعد كلام المرشد الأخير الذي فسره كل طرف وفقاً لمصلحته؛ الأمر الذي أدى إلى اشتباك سياسي بين أجنحة النظام وانتقادات متبادلة كان من أبرزها ما جاء على لسان رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية الوزير علي أكبر صالحي.

لم يتردد صالحي في توجيه صفعة سياسية واقتصادية لمجلسي «الشورى» و«صيانة الدستور»، مستغرباً تصديق الأخير على قانون مثير للجدل أقرّه مجلس الشورى يدعو لرفع تخصيب اليورانيوم، معترفاً بأن «الحكومة الإيرانية لا تمتلك الموارد المالية لتركيب ألف جهاز طرد مركزي من الجيل السادس، وفق ما نص قانون البرلمان».

روحاني وصالحي اعتمدا في موقفهما على دعوة مرشد الجمهورية يوم الخميس الماضي المفاوضين الإيرانيين إلى عدم التأخر في المفاوضات ولو ساعة واحدة، إذا كان بالإمكان رفع العقوبات، وأضاف: «أنا أؤيد مسؤولي الحكومة شرط أن يتمسكوا بأهداف الشعب. رفع العقوبات أمر بيد العدو، إلا إن إفشال تأثيراتها بأيدينا، وبناء على ذلك؛ ينبغي لنا التركيز على إفشالها أكثر من التفكير في رفعها». عملياً حاول روحاني استغلال موقف المرشد المتغير من فكرة المفاوضات للمناورة، وانتزاع المبادرة مجدداً بهدف الاستقواء على الأطراف التي تريد عرقلة المفاوضات تحت ذريعة عدم الثقة بالطرف الأميركي، واستخدم كلام المرشد لتسديد ضربة في الداخل قبل نهاية ولايته الرئاسية عبر المطالبة بإجراء تعديلات على الدستور، وذلك في إطار رده المضاد على تدخلات بعض مؤسسات الدولة الدستورية التي يسيطر عليها التيار المتشدد المدعوم من المرشد.

ولكن، على ما يبدو، الأجنحة الراديكالية لا تزال تحظى بموقع متقدم لدى المرشد الذي أنهى الجدل بين النخب الإيرانية في تفسير كلامه عن المفاوضات، بعد تغريدة تراجع فيها عن كلامه السابق، بعد قوله إن «مهمة تيار التشويه هي إعطاء عنوان خاطئ لحل مشكلة العقوبات». وهذا ما سيؤدي إلى تقليص فرص روحاني وفريقه التفاوضي في الوصول إلى صيغة تفاوضية مقنعة للجانبين الأميركي والإيراني، لأن الأخير تمر مؤسساته بمرحلة عدم توازن وصراعات علنية على نفوذه والاستحواذ على القرار حتى لو كانت تحت رعاية المرشد. وعليه؛ فإن التصدع بين مراكز صناعة القرار يؤكد أن السلطة الإيرانية تمر بأزمة بنيوية نتيجة معاناتها من شيخوختين: المرشد والنظام.

 

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران وأحجية النظام إيران وأحجية النظام



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab