بقلم - مصطفى فحص
يتباهَى النظام الإيراني بإتقانه سياسة الانتظار وبقدراته الخارقة على التحمل، ووصفها بسياسة الصبر الاستراتيجي، التي تتطلب تضحيات ضخمة في سبيل أهداف كبرى، ولكن النظام الذي خطط مثلاً للصمود 4 سنوات أمام عقوبات إدارة ترمب، وكان مستعداً للصمود أربعاً أخرى، حسب قوله، لا يبدو الآن قادراً على الصمود لأشهر، ويبذل ما بوسعه من أجل اختصار وقت بات كالسيف إن لم يقطعه قطعه؛ لذلك يتحرك مستخدماً حيله الاستراتيجية كافة من سياسة حافة الهاوية النووية، إلى الدبلوماسية المتقلبة بين إبداء الليونة أو التصرف بخشونة؛ من أجل دفع الإدارة الأميركية الجديدة إلى فتح حوار بنّاء ومباشر معه.
أزمة النظام الراهنة أنه فشل في رهانه، فلا تبدو هذه الإدارة مستعجلة للجلوس على الطاولة، وحتى لو جلست فهي غير معنية بإعطائه ما يريد بسرعة، ولكن صدمته أنَّه حتى الآن ورغم كل مناوراته وتهديداته لم تبدِ هذه الإدارة استعدادها حتى إلى إعطائه الحد الأدنى مما يريد، وهي قد تكتفي لاحقاً بتجميد بعض العقوبات التي تتَّصل بالأمور الإنسانية المرتبطة بمكافحة جائحة كورونا، أو القيام بخطوة أوسع من المجال الإنساني ولو بقليل وفقاً لما نقلته وكالة «رويترز»، بأن «الولايات المتحدة تبحث مجموعة من الأفكار حول كيفية إحياء الاتفاق النووي الإيراني، بما في ذلك خيار يتخذ فيه الجانبان خطوات صغيرة من دون الالتزام الكامل بالاتفاق المبرم عام 2015».
بالنسبة لطهران، فإنَّ معادلة الأقل مقابل الأقل التي تطرحها واشنطن لن يكون لها جدوى، إذا ما منحت طهران قدرة على تخطي أزمتها الحالية التي تهدد بانفجار اجتماعي في الأشهر المقبلة، في المقابل يرى أصحاب هذا الطرح بضرورة الإسراع في تطبيقه؛ لأنَّ تأخيره لأشهر عدة سيفقده قيمته، وذلك بسبب أن الموقف السياسي والاستراتيجي في إيران سيكون قد دخل منحى آخر يتصل بنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي ستقتصر المنافسة فيها بين المتشددين المستاءين من قرار واشنطن، أو إقرارها بأنَّ عودتها إلى الاتفاق السابق من دون تعديله واستشارة الحلفاء غير واردة؛ وهذا ما سيؤدي إلى حشر النظام في زاوية صعبة ستتسبب في ردة فعل تؤدي إلى تخليه عن التفاؤل الحذر واللجوء إلى التشدد، وهذا ما عبّر عنه وزير الاستخبارات الإيرانية محمد علوي، الذي قال «لقد حرَّم المرشد في فتواه إنتاج الأسلحة النووية باعتبارها مخالفة للشريعة الإسلامية، وأنَّ الجمهورية الإسلامية لن تسعى إليها، ولكن إذا وضعت قطة في زاوية فقد يختلف سلوكها عن سلوك القطة الحرة، إذا دفعوا إيران في هذا الاتجاه فهذا ليس خطأ إيران».
وبناءً عليه، تحاول طهران بشتى السبل تخطي مصيدة الإدارة الجديدة القائمة على مبدأ ربط النزاع لا حله، وتستثمر ما يمكن تقديمه لطهران بشكل محدود أداةً للضغط عليها حتى تتراجع وتخفف أنشطتها النووية؛ الأمر الذي لا يتناسب مع ضغوط الداخل وأزمة اقتصادية تمرُّ بها، وستؤثر حتماً على السباق الرئاسي في يونيو (حزيران) المقبل، والمقلق بالنسبة لها أنَّه حتى هذه الخطوة الإيجابية المحتملة ليست مضمونة، وقد تواجه برفض من الكونغرس وشكوك في جدواها من قبل بعض مؤسسات الدولة الأميركية، كما أنَّها ستجعل طهران مجدداً رهينة انتظار قاتل، ترتبط مدته باستكمال تشكيل الحكومة الأميركية، والتي ستقدم أولوياتها الداخلية على ملفاتها الخارجية كافة.
وعليه، تواجه طهران عُقداً مركبة عدة في أزمتها التفاوضية، فهي خسرت الرهان على الوسطاء، بعدما رفع الطرف الأوروبي عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سقف مطالبه التي تتعدى النووي؛ وهو ما دفع طهران إلى رفض هذه الوساطة، كما أن معضلة الوقت باتت تحاصرها، بعدما أقرّت إدارة بادين بأنَّ التفاوض بشأن العودة الكاملة للاتفاق النووي سيستغرق وقتاً طويلاً.