كامل مرّوه وهاني فحص بين الإقصاء والاغتيال

كامل مرّوه وهاني فحص.. بين الإقصاء والاغتيال

كامل مرّوه وهاني فحص.. بين الإقصاء والاغتيال

 العرب اليوم -

كامل مرّوه وهاني فحص بين الإقصاء والاغتيال

بقلم :مصطفى فحص

قال الرئيس المؤسس للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان٬ الإمام السيد موسى الصدر٬ في رثاء الصحافي اللبناني الشهير مؤسس جريدة الحياة اللبنانية٬ كامل مرّوه: «الصحافي٬ أيها الإخوان لا يهان٬ لا يحارب بالضغط٬ لا يحارب بالفقر٬ الصحافي لا يغتال٬ الاغتيال أسوأ الأساليب وأكثرها فشلاً وجبًنا في خدمة الهدف٬ أًيا كان الهدف».

لم يؤخذ كامل مرّوه بشعارات المد الشيوعي والقومي٬ التي كانت سائدة في النصف الأول من القرن الماضي٬ كما فعل شباب جيله٬ خصوًصا أبناء الأقليات الذين سيطرت على ردات فعلهم السياسية نقمة بسبب ما تبقى في وجدانهم من ذاكرة عثمانية استبدادية٬ كانت بحاجة في وقت مبكر إلى كثير من التدقيق والمراجعة لكثرة ما علق بها من افتراءات أحياًنا ومغالطات أحياًنا كثيرة. لا يعني ذلك تبرير الممارسات العثمانية الفادحة التي دفع ثمنها الأتراك قبل غيرهم من مواطني السلطنة٬ خصوًصا العرب الذين قرروا الاندماج في هويات أشمل وأوسع من هوياتهم الوطنية٬ في لحظة انتقالية كان يسودها الكثير من الإرباك.. فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية٬ هؤلاء رفضوا مشروع الدولة الوطنية التي أسسها الاستعمار٬ والتحقوا بمشروع الدولة القطرية القومية العربية٬ أو الأممية بمفهومها الشيوعي. هنا برز الشاب النبيه كامل مرّوه الذي تنبه باكًرا إلى إشكالية الواقع الجديد٬ وكيفية التعايش معه٬ والاعتراف به٬ والتأسيس عليه٬ فقرر تبني فكرة لبنان الدولة العربية ذات السيادة والاستقلالية والهوية المركبة٬ من مختلف الطوائف والحضارات المشروطة في الوقت نفسه بخصوصية وطنية.. كل ذلك تناغم في وجدانه
مع بعد روحي لهويته الإسلامية الشيعية.

لم تقف لبنانية كامل مرّوه عائًقا بينه وبين قضايا العرب الكبرى٬ فقد تبنى باكًرا قضية الشعب الفلسطيني٬ وشغلت فلسطين الحيز المتقدم في وعيه العروبي٬ كما شكلت نقلة نوعية في مسيرة حياته٬ حيث نقلته من كونه صحافًيا لامًعا٬ إلى مناضل سياسي إلى جانب مفتي القدس الحاج أمين الحسيني الذي عاد برفقته خائًبا من برلين٬ بعد فشل رهان الحسيني على دول المحور٬ ثم عاشا متلازمين لاحًقا خيبة الفشل العربي في إنقاذ الجغرافيا الفلسطينية بعد قرار التقسيم٬ وواجها مًعا محاولات الأنظمة الاستئثار بقرارها٬ ورفضا الوصاية عليها.

دفع الحسيني ثمن هذا الموقف٬ حيث تم تهميشه ومحاصرة دوره٬ بل مصادرته بتكوين مرجعية فلسطينية بإمرة القاهرة. وبعد ظهور الخلاف العلني بينه وبين عبد الناصر٬ لجأ الحسيني إلى بيروت٬ وعاش فيها ومرّوه مطاردين. يصف الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله هذه المرحلة من حياة كامل مرّوه قبل اغتياله بالقول: «كان أيًضا عربًيا أصيلاً٬ يعرف تماًما ما يدور في العالم٬ ويرفض المزايدات وكّل ما هو عشوائي٬ أراد قول كلمة حّق في فضاء لم يعد يّتسع إلا للغوغاء والغوغائيين الذين أخذوا العرب من كارثة إلى أخرى. كان هؤلاء أعداء كامل مرّوه٬ لذلك لم يجدوا خياًرا آخر غير قتله».

عندما قتل كامل مرّوه٬ كان هاني فحص شاًبا لم يكمل ربيعه العشرين٬ في سنته الدراسية الثانية في حوزة النجف٬ لم يكن تحصيل هاني فحص المعرفي في تلك الفترة مقتصًرا على المواد الفقهية التي تتيحها كلية الفقه٬ فقد انكب على القراءة واستقاء المعرفة٬ فتعرف في النجف كما يقول إلى ماركس وإنجلز وغيفارا٬ وقرأ أعمال فلاسفة عصر التنوير وروائع الأدب الكلاسيكي الروسي والأوروبي٬ واطلع على آيديولوجيات حركات الإسلام السياسي. يقول هاني فحص: «أدخلته نكسة 67 إلى السياسة٬ باحًثا على أثرها عن أطروحة تجمع بين الإيمان والإسلام والعروبة ولبنان٬ أطروحة لا تثير اليمين ولا اليسار ولا الإسلاميين أيًضا».

التقى هاني فحص٬ رجل الدين الشيعي٬ الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات٬ ورافقه في محطات مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية٬ وكان مفتاح علاقته بالثورة الإيرانية.

يقول هاني فحص عن هذه العلاقة: «انتبه أبو عمار إلى الإشكالية الإيرانية٬ بعد محاولته توظيف الرقم الإيراني كاملاً في مشروعه٬ ورغبة إيران في توظيف فلسطين كاملة في مشروعها».

اختار هاني فحص مبكًرا الابتعاد عن الوصاية السورية على لبنان منذ دخولها سنة ٬1967 تقاطع مع الموقف الفلسطيني الرافض للهيمنة السورية على قراره٬ ثم رفض الوصاية على المقاومة٬ وانتقد حصريتها٬ مما فاقم الخلاف بينه وبين طهران التي عاد منها في منتصف الثمانينات٬ على كثير من العتب وصل إلى حد الجفاء القريب من القطيعة٬ مما جعله يدفع ثمنه إقصاء مبكًرا وقاسًيا من داخل الطائفة الشيعية اللبنانية التي صادر التوافق السوري ­ الإيراني قرارها٬ وحركها ضمن مقتضيات مصالحه٬ فاختار هاني فحص الابتعاد عن الخاص الشيعي والانغماس في العام الوطني والعربي في زمن الانقسام الطائفي والصراع المذهبي.

بعد 50 سنه على اغتيال كامل مرّوه٬ فإن ما يجمعه وهاني فحص هو النزعة الاستقلالية في الموقف والقرار٬ والوعي المبكر بدور المثقف الشيعي في الاندماج بالهوية الوطنية٬ مع الحفاظ على بعدها العروبي٬ وكذلك تجمعهما مشاعر الخيبة للأثمان التي دفعاها تمسًكا بمبادئهما٬ والقضايا الكبرى التي آمنا بها وناضلا من أجلها٬ في لحظة عزف فيها زعماء٬ لحن حروب لم تنتج إلا هزائم متواصلة٬ ومشاريع ضيقة الأفق تريد مصادرة العام لمصلحة الفرد٬ فكان الرد بالاغتيال والإقصاء.

arabstoday

GMT 00:19 2024 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

جليلي وقاليباف وبينهما بزشكيان

GMT 23:39 2024 الخميس ,20 حزيران / يونيو

مسيّرة «الهدهد» وهوكستين

GMT 00:12 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

جنوب لبنان والاحتمالات الصعبة

GMT 00:15 2024 الجمعة ,31 أيار / مايو

غزة... وثنائية المحرقة والنكبة

GMT 00:08 2024 الجمعة ,24 أيار / مايو

إيران... قَدَر رئيسي وقَدَر النظام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كامل مرّوه وهاني فحص بين الإقصاء والاغتيال كامل مرّوه وهاني فحص بين الإقصاء والاغتيال



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab