القدس والزحف المعاكس

القدس والزحف المعاكس

القدس والزحف المعاكس

 العرب اليوم -

القدس والزحف المعاكس

مصطفى فحص

كانت القدس وتحرير فلسطين إحدى الوسائل التي استخدمتها أنظمة الاستبداد العربي، في النصف الثاني من القرن الماضي، بغية تعطيل الحياة العامة السياسية والثقافية في مجتمعاتها، وبهدف وضع اليد على المقدرات البشرية والمادية فيها، وتسخيرها لترسيخ سلطتها، واستخدامها وسيلة لإرغام شعوبها على القبول بأحادية سلطوية متمثلة بالحزب الواحد المختزل للدولة والمجتمع، وتبرير مصادرة الأدوات الاقتصادية والمعرفية في سبيل بناء نظام قوي متماسك وجيش يحميه كخطوة ضرورية، على طريق تحرير فلسطين، وفقا لادعاءاتهم، منذ النكبة حتى اليوم.

لا يمكن التشكيك في نوايا الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر تجاه القضية الفلسطينية، ولا يجوز التقليل من التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب المصري خلال المواجهة المبكرة التي خاضتها مصر في وجه الكيان الإسرائيلي منذ تأسيسه، ولكن لا يمكن غض الطرف عن سياسات نظام عبد الناصر الداخلية والخارجية؛ فمحاربة الفساد، والتوزيع العادل للثروات، والمساواة الاجتماعية، وتطوير الصناعة، وتحديث التعليم، لا تتعارض مع الحريات السياسية والفكرية والثقافية والتعددية الحزبية، ولا يمكن استبدال تطلعات الشعوب العربية بالحرية والاستقلال، وطرد الاستعمار بديكتاتوريات عسكرية، ترفع شعارات قومية وحدوية، لم تلبث أن انقلبت عليها، وعلى عبد الناصر، في سبيل مصالح فردية أقلوية، كما في العراق وسوريا واليمن والجزائر.

كانت فلسطين الحاضر الدائم في شعارات أنظمة العسكريتاريا العربية التقدمية في صراعها مع من كانت تصفهم بأنظمة الرجعية العربية، وأداة استخدمتها للتدخل في الشؤون الخاصة للدول العربية؛ فقد أسست مصر لأول زحف معاكس من أجل تحرير القدس، عندما أرسلت جيشها إلى اليمن بحجة حماية منجزات الثورة، فكان هذا التدخل أحد أول أسباب هزيمة 67، ولم تسلم سوريا البعث من هذا التدبير بعد حرب 73، حيث قام الأسد الأب بتحولات بنيوية في تشكيلات جيشه، وأرسله إلى لبنان بحجة وقف الحرب الأهلية ومواجهة المشروع الإسرائيلي، لكنه لم يقم بخطوته هذه قبل الحصول على الموافقة الأميركية التي اشترطت ضرب الحركة الوطنية حليفة موسكو السوفياتية، وضرب المقاومة الفلسطينية كشرط لأخذ الموافقة الإسرائيلية على الوجود في لبنان.

كما لم تكن القيادة الفلسطينية بعيدة عن فكرة الزحف المعاكس، فقد أضر أصحاب القضية أيضاً بقضيتهم، عندما حمل رجال المقاومة الفلسطينية أسلحتهم في شوارع العاصمتين الأردنية عمان واللبنانية بيروت، وقد أسهم التشرذم العربي بعد «كامب ديفيد»، والقرار الانفعالي باستبعاد القاهرة عن القرار العربي، في بروز الطموحات الإيرانية والعراقية بحمل راية فلسطين، فرفعت الثورة الإيرانية شعار «اليوم إيران وغداً فلسطين»، وأعطتها أخطاء صدام حسين فرصة مزاحمة العرب على قضيتهم المركزية، فقامت باستحضار فلسطين في أوج حربها مع العراق، واعتبرت طريق القدس يمر عبر كربلاء، بينما أقدم صدام حسين على احتلال الكويت محطماً ما تبقى من التضامن العربي بحجة الوحدة أيضاً وتحرير فلسطين. كذلك، كانت فلسطين جزءاً أساسياً من أدوات التسلط التي استخدمها ديكتاتور ليبيا السابق معمر القذافي في قمع شعبه وترهيب أنظمة أخرى مناوئة لسياساته وطموحاته. أما الكيماوي الذي وعدنا البعثيون باستخدامه لتطهير الأقصى من آثار الصهاينة فاقتصر استخدامه على الأبرياء في حلبجة والغوطة.

منذ انطلاق الثورة السورية يصر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على تخوين الشعب السوري، واعتبار مطالبته بالحرية والحياة الكريمة مؤامرة خارجية ضد نظام ممانع يواجه الأطماع الأميركية - الإسرائيلية في المنطقة، وفي آخر خطاباته اعتبر نصر الله أنه إذا ذهب الأسد ذهبت فلسطين، وأن الطريق إليها يمر عبر أغلب المدن السورية التي يحارب فيها مقاتلو حزبه دفاعاً عما تبقى من نظام استبدادي، وحماية لمصالح إيران الموصولة من بيروت إلى دمشق حتى بغداد.

في اللحظة التي تصطدم فيها المقاومة بالمطالب العادلة لشعب ما، تنفصل عن واقعها، وتنقلب على شعارات الحرية والعدالة، وتسقط قدسيتها عند أول طلقة تطلقها بغير حق تجاه هدف غير عدوها المركزي، فتضيع وتضيع معها قضيتها. ذلك أن حجارة القدس ليست أعلى مقاماً عند السوريين من حجارة منازلهم التي تدمرها براميل النظام، كذلك أرواح أطفالهم. في يوم القدس تتحول القدس إلى حطام بلا روح، عندما تغتال البراميل أرواح السوريين في الزبداني وحمص وحلب ودرعا باسمها، ولا يعود هناك معنى لهذا اليوم، حين يُعبد الطريق إليها بحطام بيوتهم وأشلاء أجسادهم.

 

arabstoday

GMT 08:26 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادي

GMT 08:25 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الآن؟

GMT 08:24 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 08:22 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سلام عليك يا شام

GMT 08:20 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا وتخمة القادة الأسطوريين

GMT 08:15 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

«سنو وايت».. أهمية أن تكون أنت.. «أنت»!

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

هوامش على حياة الشهيد عبدالمنعم رياض

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

اللاعبون الأساسيون ومخاطر الفوضى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القدس والزحف المعاكس القدس والزحف المعاكس



صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - اكتشاف تمثال يكشف الوجه الحقيقي لكليوباترا في معبد تابوزيريس

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين
 العرب اليوم - حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين

GMT 14:35 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم
 العرب اليوم - عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم

GMT 16:39 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

التأثير الإيجابي للتمارين الرياضية على صحة الدماغ

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 20:19 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الفنان جمال سليمان يبدي رغبتة في الترشح لرئاسة سوريا

GMT 18:20 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

بشار الأسد يصل إلى روسيا ويحصل على حق اللجوء

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

480 غارة إسرائيلية على سوريا خلال 48 ساعة

GMT 22:09 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

داني أولمو مُهدد بالرحيل عن برشلونة بالمجان

GMT 08:24 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 04:49 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الكينية تسجل 5 حالات إصابة جديدة بجدري القردة

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

استئناف عمل البنك المركزي والبنوك التجارية في سوريا

GMT 05:03 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزير الدفاع الكوري الجنوبي السابق حاول الانتحار في سجنه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab