موسكو الحائرة

موسكو الحائرة

موسكو الحائرة

 العرب اليوم -

موسكو الحائرة

مصطفى فحص

تصر القيادة السياسية الروسية على عدم مراعاة الحساسيات الدينية والثقافية في تعاملها مع مكونات الفضاء الإسلامي المجاور لحدودها الجنوبية، الممتد حتى سواحل البحر المتوسط، وتعتمد سياسة آنية، يمكن توصيفها بقصر النظر في معالجة القضية السورية، تقوم في بعض جوانبها على الرواسب السياسية والثقافية للحرب الباردة، من المستحيل العودة إليها وتطبيقها، في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة العربية والشرق الأوسط. ولكي تبرر مواقفها الدبلوماسية تلجأ إلى من تبقى من وجوه تلك المرحلة وورثتها، المتمسكين بمبادئ تلك الحقبة الجيوسياسية، وأبعادها الاجتماعية، حيث تعج أروقة مراكز صنع القرار الروسي ببعض المتعطشين لعودة قوية إلى الشرق الأوسط، تحاكي المكانة السوفياتية بشعاراتها الأممية أو القيصرية ببعدها الأرثوذكسي، ويعلقون الآمال بأن تنجح هذه العودة المرجوة في ملء الفراغ الذي سببه سقوط الاتحاد السوفياتي، في مواجهة الأحادية القطبية الأميركية وتفوقها، واستحواذها على الجزء الأكبر من القرار الدولي وهيمنتها عليه، وكأنهم غير منتبهين إلى عدم امتلاكهم لشروط هذه العودة، ومتطلباتها وأدواتها اللازمة.
يمثل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى جانب سلفه في وزارة الخارجية الأسبق، رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية السابق، الراحل يفغيني بريماكوف، رأس الحربة لهذه الأدبيات السياسية، التي انعكست سلبا على موقع روسيا التاريخي في المنطقة العربية، وحولتها إلى دولة معادية في نظر الشعوب والحكومات العربية. وقد وصل الانفعال لدى لافروف في معرض دفاعه عن سياساته الخاطئة في حماية الأسد، إلى حد وضع روسيا في موقع الخصم للأغلبية السنية، ليس فقط في سوريا بل في العالمين العربي والإسلامي، واتباعها سياسة دفاع شرس عما تصفه بحقوق الأقليات فقط، في مشهد يعيد إلى الأذهان الطروحات القيصرية الروسية، حول المسألة الشرقية نهاية القرن التاسع عشر.
بعد استبعادها من مجموعة الدول الثماني الكبرى، وخسارتها لأوكرانيا، وهبوط أسعار الطاقة، وتفاقم أزمتها الاقتصادية والمالية، لم تعد موسكو تملك من أدوات الدولة العظمى إلا وظيفة دولية تؤمنها لها عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، وامتلاكها حق النقض «الفيتو»، حيث استدرجتها الدول الكبرى إلى الإفراط في استخدامه في الأزمة السورية، بسبب عدم استعجال هذه الدول حل الأزمة، فيما بررت موسكو موقفها بأنه يأتي دفاعا عن مصالحها الحيوية في سوريا، ولضرورة الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والخوف من انتقال عدوى التغيير إلى عواصم قريبة من موسكو.
منذ وصوله إلى السلطة سنة 2000 عادت موسكو فلاديمير بوتين لتكون شريكا في رعاية أنظمة العسكريتاريا العربية، في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وتعاملت معها باعتبارها حليفة موضوعية في منافسة الولايات المتحدة والغرب، دون الانتباه إلى أن هذه الأنظمة لا تلجأ إلى موسكو إلا عندما تشتد العزلة الأميركية عليها، ويصبح الكرملين محجتها، وعندما تتيقن أن أبواب البيت الأبيض قد سدت بوجهها. فلم تتعلم موسكو من الدرس العراقي مع صدام حسين، والليبي مع القذافي، والسوري مع الأسد الأب، بل تكرره بحذافيره مع الأسد الابن الذي على الرغم من كل الدعم الروسي له ينتظر إشارة أميركية تسمح بإعادة تعويمه، ليكون شريكا في الحرب على الإرهاب وفقا للشروط الأميركية، وأما طهران فهي تنتظر توقيع الاتفاق النووي، لكي تزيل العوائق بينها وبين واشنطن من أجل تعاون سياسي واستراتجي في المنطقة، وتفتح أبوابها أمام الاستثمارات الأميركية، ومن المتوقع أن تحصل الشركات الأميركية على حصة الأسد فيها، والرساميل الأميركية على التسهيلات الضرورية لتكون الشريك الأكبر في إعادة بناء الاقتصاد الإيراني، حيث تظهر التقديرات الأولية أن إيران بحاجة إلى قرابة 350 مليار دولار من أجل إعادة بناء بنيتها التحتية وترميم صناعاتها خصوصا النفطية.
في الآونة الأخيرة دقت عواصم إقليمية في مقدمتها الرياض وأنقرة جرس الإنذار لموسكو، بأنها قد تكون الخاسر الأكبر، إذا استمر الكرملين في السياسات المحيرة نفسها التي انتهجها منذ أكثر من عقد، والتي بسببها وصلت طهران إلى بر الأمان النووي، الذي سيسمح لها بالانتقال بسلام إلى الضفة الأخرى، حيث تنتظرها واشنطن مع سلة مكاسب اقتصادية وسياسية قد تكون سوريا في مقدمتها، بعد أن باتت تحت الانتداب الإيراني، فيما سيبقى الكرملين وحيدا على الضفة الأخرى، وأكثر ما يصح في وصف حالته ما كتبه صديق بلاده التاريخي، الزعيم اللبناني وليد جنبلاط الذي غرد على «تويتر»: «من أعلى الكرملين أخطأ القيصر.. من دهاليز البازار الفارسي في طهران يضحك خامنئي ساخرا».

arabstoday

GMT 08:26 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادي

GMT 08:25 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الآن؟

GMT 08:24 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 08:22 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سلام عليك يا شام

GMT 08:20 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا وتخمة القادة الأسطوريين

GMT 08:15 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

«سنو وايت».. أهمية أن تكون أنت.. «أنت»!

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

هوامش على حياة الشهيد عبدالمنعم رياض

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

اللاعبون الأساسيون ومخاطر الفوضى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسكو الحائرة موسكو الحائرة



صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - اكتشاف تمثال يكشف الوجه الحقيقي لكليوباترا في معبد تابوزيريس

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين
 العرب اليوم - حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين

GMT 14:35 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم
 العرب اليوم - عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم

GMT 16:39 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

التأثير الإيجابي للتمارين الرياضية على صحة الدماغ

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 20:19 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الفنان جمال سليمان يبدي رغبتة في الترشح لرئاسة سوريا

GMT 18:20 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

بشار الأسد يصل إلى روسيا ويحصل على حق اللجوء

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

480 غارة إسرائيلية على سوريا خلال 48 ساعة

GMT 22:09 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

داني أولمو مُهدد بالرحيل عن برشلونة بالمجان

GMT 08:24 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 04:49 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الكينية تسجل 5 حالات إصابة جديدة بجدري القردة

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

استئناف عمل البنك المركزي والبنوك التجارية في سوريا

GMT 05:03 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزير الدفاع الكوري الجنوبي السابق حاول الانتحار في سجنه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab