صورة الشهيد ايلان السوري ستدخل التاريخ كمثال على عجزنا

صورة الشهيد ايلان السوري ستدخل التاريخ كمثال على عجزنا

صورة الشهيد ايلان السوري ستدخل التاريخ كمثال على عجزنا

 العرب اليوم -

صورة الشهيد ايلان السوري ستدخل التاريخ كمثال على عجزنا

عبد الباري عطوان

لم نشاهد وجه الطفل السوري ايلان الكردي (3 سنوات) غريقا، فجميع الصور تقريبا نشرت جثمانه الطاهر على شاطيء بحر بدروم التركي ووجهة في الارض، تماما مثل وجه “حنضلة” الفلسطيني في رسومات الفنان الشهيد ناجي العلي، ولكننا شاهدناه حيا مبتسما مع شقيقه غالب (الذي غرق معه وامه) اليوم على صدر معظم الصحف الغربية، الامر الذي صدمنا اكثر، وفجر الحزن والغضب في داخلنا جميعا، وكانت دموع وزيرة الخارجية السويدية التي هطلت على خدها خير تعبير عنا ومشاعرنا.

الصور، وخاصة اذا كانت لاطفال، قد تغير مسار التاريخ، وتعيش في ذاكرتنا طويلا، ولا شك ان صورة الطفل ايلان ستكون كذلك، مثل صورة الفتاة الفيتنامية (9 سنوات) التي فرت عارية تماما من هجوم امريكي بقنابل النابالم الحارقة على قريتها عام 1972، ولا ننسى صورة الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي استشهد في حضن والده وهو يحاول الاختباء من القصف الاسرائيلي على قطاع غزة في الثلاثين من ايلول (سبتمبر) عام 2000.
***
احد قراء صحيفة “الغارديان” البريطانية نشر رسالة في بريدها يقول “انني اخجل من نفسي كبريطاني بعد ان شاهدت جثمان الطفل ايلان”، لان رئيس وزرائه ديفيد كاميرون اغلق الابواب في وجه اللاجئين السوريين (باستثناء بضعة آلاف)، فماذا نقول نحن اهل الشهيد، ونحن اهل الضحايا السوريين جميعا، ونحن اهل الارض التي يتكرر فصول المأساة على مسرحها يوميا منذ خمس سنوات.

لا نعرف ما اذا كان زعماؤنا العرب، خاصة اولئك المتورطين في هذه الحرب، ويصبون الزيت لزيادتها اشتعالا والتهاما للمزيد من الضحايا، في سورية او في محيطها، لا نعرف ما اذا كانوا شاهدوا الصور نفسها مثلنا، وماذا كان شعورهم وردة فعلهم، وهل هطلت دموعهم مثل الوزيرة السويدية والكثيرين منا، وهل هناك دموع في مآقيهم؟
نشر الصور هذه يحدث تأثيرين غالبا في متلقيينها، الاول الشعور بالعجز وقلة الحيلة في مواجهة هذه التراجيديا، والثاني الاندفاع نحو اقرب جميعة خيرية للتبرع بالمال، اما نحن الكتاب فنبحث عن ورقة لتسطير مشاعرنا، ومحاولة نقل صورة قلمية عما حدث ويحدث، والغضب طبعا يسيطر علينا.

هناك نوعان من اللاجئين: الاول يواجهون خطر الموت في بلادهم، ولا يخشون خطر الموت بالتالي اذا ما ركبوا البحر او الشاحنات المبردة بحثا عن الحياة في اي بقعة آمنة من العالم تحفظ كرامتهم وانسانيتهم، اما النوع الثاني فيبحثون عن لقمة عيش لهم واطفالهم بعد ان قضت البطالة والفساد والمحسوبية والاضطهاد والديكتاتورية على كل امل لهم في الحد الادنى من الحياة المعقولة، احيانا تتداخل القائمتين، ويصعب التفريق بينهما، ولكن يظل اللجوء مشروعا في الحاليين، وتوفير الحضن الدافيء لجميع اللاجئين واجبا انسانيا، ولهذا لا يسعنا الا ان نقول شكرا لمن يفعل ذلك، وعلى رأسهم المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي تستضيف ما يقرب من المليون لاجيء سنويا في بلادها، وقالت مقولتها المشهورة التي ستخلدها “اذا فشلت اوروبا في امتحان اللاجئين هذا فانها ليست اوروبا التي كنا نأمل بها، والتي ولدت من رحم الحرب العالمية الثانية ومآسيها”.
نشعر بالألم عندما نسمع بعض “المفكرين” والمحللين العرب الاعتذاريين لحكوماتهم التي تغلق ابوابها في وجه اللاجئين السوريين، عندما يقولون انه لا بد من عقد اجتماع للجامعة العربية لبحث محنة هؤلاء، ويزداد المنا فداحة عندما يخرج علينا الدكتور نبيل العربي امين عام جامعة الدول العربية قائلا “ان مشكلة اللاجئين السوريين هذه اكبر من الجامعة”، ولماذا لم تكن كذلك عندما جرى تجميد عضوية سورية والذهاب الى مجلس الامن الدولي لاستصدار قرار بالتدخل العسكري الدولي فيها على غرار ما فعلت الجامعة في ليبيا؟

الألم.. لان سورية لم تطلب اجتماعا من الجامعة عندما استقبلت اكثر من مليوني عراقي في عامي 2007 ـ 2008 عندما كان آلاف العراقيين تتمزق اجسادهم يوميا بفعل السيارات المفخخة، والسوريون لم يحتاجوا الى عقد قمة عربية لدخول الاردن ولبنان بمئات الآلاف.
والألم يزداد، ويتضاعف، عندما نقرأ او نسمع من يحاضر علينا بمكرمات دول الخليج، والسعودية بالذات، عندما قدمت صناديق التمر والبطانيات للاجئين السوريين في مخيم الزعتري في الاردن واقامت لهم مستشفيات، في تبرير لعدم فتح ابوابها في وجه هؤلاء.

اتهمنا احدهم بـ “العاطفية” في احد البرامج التلفزيونية التي شاركنا فيها يوم امس لاننا انتقدنا اغلاق الابواب العربية في وجه اشقائنا السوريين، في دفاعه عن هذا الاغلاق، فماذا كان يريدنا ان نفعل، او كيف نتعاطى مع هذه المأساة؟ وما هو نقيض العاطفية؟ اليس الجمود والبلادة واللامبالاة تجاه اشقائنا الذين يتحولون الى طعام لكلاب البحر واسماكه.
***
الشعب السوري من اكرم الشعوب العربية واكثرها عراقة وحضارية، ويمثل رصيدا كبيرا لكل دولة تستضيفه، لانه شعب مبدع مثابر ديناميكي، لا يمكن ان يكون عالة على احد، يعمل بكد واجتهاد وينتج من اللاشيء، ففي مصر حولوا مدينة السادس من اكتوبر الى جنة، وفتحوا مطاعم وفنادق ومحال تجارية، ووفروا مئات الوظائف للاشقاء المصريين، وعملوا الشيء نفسه في تركيا والامارات والاردن، وحتى في المانيا واسبانيا، وكل بلد يحطون الرحال فيها، فلماذا هذا الجمود من اغنياء العرب تجاه هؤلاء.

خمس دول عربية فاشلة باتت تصدر اللاجئين الى الضياع في محطات قطارات وشواطيء المتوسط الشمالية، وهؤلاء ضحايا مؤامرة غربية بأدوات عربية، فمن الذي دمر ليبيا وهجر نصف شعبها الى تونس والجزائر، ومن الذي دمر العراق واحتله، وهجر، وما زال يهجر اهله، والى اين سيذهب مئات الآلاف، وربما ملايين اليمنيين غدا هربا من القصفين الجوي والارضي المستمر منذ ستة اشهر، ويقتل الآلاف منهم.

رحم الله الطفل الكردي ايلان وشقيقه غالب وامهما، ورحم كل اطفال العرب الآخرين الذين سقطوا والذين سيسقطون في لعبة الامم، والله نبحث عن كلمة اقوى من القول بأننا نشعر بالعار كعرب، وبشر، لما يجري لاهلنا في بلادنا ولا نجد.. واعذرونا من فضلكم على عجزنا وتقصيرنا.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صورة الشهيد ايلان السوري ستدخل التاريخ كمثال على عجزنا صورة الشهيد ايلان السوري ستدخل التاريخ كمثال على عجزنا



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة
 العرب اليوم - بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab