مؤتمر الشيشان التيه السنّي

مؤتمر الشيشان: التيه السنّي

مؤتمر الشيشان: التيه السنّي

 العرب اليوم -

مؤتمر الشيشان التيه السنّي

بقلم : خالد الدخيل

كتب وقيل ما ليس بالقليل عن مؤتمر الشيشان. ولا أظن أن هذا حصل لأهمية إستثنائية لهذا المؤتمر ومن دعا إليه وموله، وإنما لأمرين. الأول أن المؤتمر جعل من سؤال «من هم أهل السنة والجماعة؟» موضوعه الوحيد.

وبالعودة إلى هذا السؤال يكون المؤتمر قد رجع بالناس إلى القرون الإسلامية الثلاثة الأولى عندما كانت الفرق في مرحلة تشكلها الأولى. لاحظ أيضا أن حكومة إيران عادت بالشيعة من خلال تبني «ولاية الفقيه» إلى القرون ذاتها، بما يؤكد أن منطق الفكر الديني واحد على رغم اختلاف المذاهب. الأمر الثاني لأهمية المؤتمر الحضور الكبير للمؤسسة الدينية المصرية ممثلة بشيخ الأزهر ومفتي مصر. بالنسبة إلى الأمر الأول لم يقدر المؤتمرون أن ما دعوا إليه يؤكد حالة ارتباك وعجز يعاني منها الفكر الديني الإسلامي، وإلا كيف يمكن تفسير أن سؤالاً بحجم ومركزية «من هم أهل السنة والجماعة» لا يزال قائماً، بعد مرور 1437 سنة على ظهور الإسلام، وأنه لا يزال في حاجة، لا تنتهي، إلى إجابة بعيدة المنال. ما فعله المؤتمرون بمؤتمرهم وسؤالهم أنهم أعادوا مسألة الفرق والملل والنحل والطوائف إلى جذعتها الأولى. لماذا؟ يقولون إن هذا مؤتمر علمي. حسناً، ما بال هذا العلم لا يستطيع الإجابة عن سؤال مضى على طرحه أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن، وقتل أثناءها بحثاً وشرحاً وتحريراً، واختلافاً وتبديعاً وتفسيقاً وإقصاء على كل المستويات الفقهية والعقدية؟ كيف فات على المؤتمرين أنه ليس في هذه النتيجة من صفات العلم شيء؟! عندما يعجز المنهج عن الإجابة عن سؤال مركزي وحيوي مثل الذي انشغل به المؤتمر، يصبح من الواضح أن هذا المنهج يفتقد أبسط صفات العلم ومتطلباته. وهذا بحد ذاته دليل على أن ما فعله المؤتمرون لا يخرج عن كونه دورة أخرى من الشحناء والصراعات الأيديولوجية، والخلافات السياسية.

المثير للدهشة أن كل هذا يحصل في زمن أقسى محنة يمر بها المسلمون، وبخاصة العرب منهم، في التاريخ الحديث. وبما أن العرب، كما يقول عمر بن الخطاب، هم مادة الإسلام، فلك أن تتصور فداحة ما يواجهه الإسلام والمسلمون الآن. لم تفت هذه الملاحظة أحد الذين تحدثوا في المؤتمر، وهو الدكتور سعيد فوده. حيث أبدى في كلمته استغرابه من أن يظل سؤال «من هم أهل السنة والجماعة؟» معنا حتى الآن. لكن فوده لم يحاول الإجابة عن السؤال، وإنما انتظم من خلال كلمته في إشكالية المؤتمر، وفي المنطق التصنيفي الذي انطلق منه. وأكد مفتي مصر، الشيخ شوقي علام، الذي رأس إحدى جلسات المؤتمر في كلمة له أن أهل السنة والجماعة «لم يقصوا، ولم يكفروا أحداً». هل هذا صحيح؟ من حيث المبدأ فإن التكفير لازمة من لوازم الدين. وليس أدل على ذلك من ظهور الفرق والملل والنحل في تاريخ الأديان، بما فيها الإسلام.

من هذا المنطلق تتناقض جملة المفتي هذه مع ما قاله الإمام أبو حامد الغزالي، وهو أشعري، قبل أكثر من تسعة قرون من أن كل الفرق الإسلامية مارست التكفير ضد بعضها الآخر. لكن جملة المفتي بالمعنى ذاته تتناقض مع البيان الختامي للمؤتمر الذي حصر مصطلح «أهل السنة والجماعة» في الأشعرية والماتريدية. أي أن الفرق الأخرى كالسلفية والإخوان لا ينتمون إلى أهل السنة. والسؤال في هذه الحالة: ماهو المعنى العقدي لإخراج هذه الفرق من أهل السنة؟

يقول الدكتور حاتم العوني في كلمة له أمام المؤتمر إن مصطلح «أهل السنة والجماعة» فضفاض ويحق أن يقع فيه اختلاف، لكنه لم يحدد مستويات وحدود هذا الاختلاف. هل هو اختلاف في الأصول أم في الفروع؟ أم في كليهما معاً؟ يضيف العوني أن المصطلح «لم يرد لا في القرآن ولا في السنة». ويؤكد في السياق ذاته أن أقدم من استخدم تعبير «أهل السنة» هو الإمام محمد بن سيرين (ت 110هـ). بعده سئل الإمام مالك عن معنى أهل السنة فقال، وفق العوني، «هم الذين ليس لهم لقب». أي هم الذين ليسوا بقدرية، ولا مرجئة، ولا خوارج، ولا شيعة، ...الخ. بعبارة أخرى، يقول العوني، إن أهل السنة «هم المسلمون»، هكذا بإطلاق. وهو ما يعني أن تحيز دلالة هذا المصطلح تأخرت كثيراً. والأرجح بهذا المعنى أن تأخر تحيز دلالة المصطلح إنما حصل بعد الفتنة الكبرى التي فجرها مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان. الأمر الذي يعيدنا إلى ما ذكرته سابقاً بأن الفكر الديني الإسلامي لا يزال يدور حول نفسه في حلقة مفرغة لقرون طويلة.

ماذا يقول أبو الحسن الأشعري، مؤسس المدرسة الأشعرية التي اعتبرها بيان المؤتمر في القلب من دائرة أهل السنة؟ يقول في كتابه (الإبانة عن أصول الديانة) «قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله عز وجل، وسنة نبينا عليه السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة المحدثين، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل، نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته، قائلون، ولما خالف قوله مخالفون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم» (الإبانة عن أصول الديانة، تحقيق صالح بن مقبل بن عبدالله العصيمي التميمي، ط1، 1432هـ، ص 201).

بعبارة أخرى، يعتبر الأشعري نفسه بهذا النص حنبلياً. وابن حنبل هو مؤسس النهج السلفي. ومن ثم إذا كان الأشعري ومدرسته يدخلون في دائرة أهل السنة، فعلى أي أساس أخرج بيان المؤتمر السلفيين بكل تياراتهم من هذه الدائرة؟! وبماذا يختلف في هذه الحالة إقصاء أشاعرة وماتريديو العصر عن الإقصاء السلفي؟ يؤشر السؤال إلى حالة التيه السني، وأن هذا التيه تعبير عن بؤس التمسك بأنه لا قيام للديني إلا بارتباطه بالسياسي، مع عدم إدراك لأن المآل التاريخي لمثل هذه العلاقة هو حتماً ارتهان الديني للسياسي، وليس العكس. من هنا تأتي أهمية حضور مؤسسة الدين المصرية لمؤتمر الشيشان، وأنها تعبر مع المؤتمر عن هذا المآل.

arabstoday

GMT 04:32 2018 السبت ,21 تموز / يوليو

لا حرب إيرانية - إسرائيلية

GMT 02:48 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

سورية مختلفة فعلاً

GMT 00:42 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

موقف أحمد ابن حنبل من الدولة

GMT 11:25 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

كذبة الحرب الكبرى

GMT 08:49 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

خيار الحريري و«حزب الله»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مؤتمر الشيشان التيه السنّي مؤتمر الشيشان التيه السنّي



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 02:44 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
 العرب اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 05:58 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 12:50 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

موسكو تدعو "حماس" إلى الإفراج "الفوري" عن مواطنين روسيين

GMT 12:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انفجار قوي يهز العاصمة السورية دمشق ويجري التحقق من طبيعته

GMT 13:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب تطرح ميزة “مسودات الرسائل” الجديدة

GMT 13:26 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 20:44 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترمب يُعدّ قائمة بمسؤولين في البنتاغون لفصلهم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab