أن تكون لاجئاً سورياً في السعودية والخليج
أخر الأخبار

أن تكون لاجئاً سورياً في السعودية والخليج!

أن تكون لاجئاً سورياً في السعودية والخليج!

 العرب اليوم -

أن تكون لاجئاً سورياً في السعودية والخليج

جمال خاشقجي

 لماذا لا تستقبل المملكة ودول الخليج اللاجئين السوريين عوضاً من أن يموتوا في البحر؟ يسأل بَعضُنَا بسذاجة! بينما آخر يلقي السؤال بخبث، ليغير الموضع ويلقي بدائرة الاتهام بعيداً عن النظام الذي دفع شعبه إلى اختيار الموت في البحر ولا يعيش في وطن لم يعد يراه وطناً.

منذ بداية المأساة السورية والمملكة تستقبل سوريين، يقدرهم مسؤول - تحدثت معه - بنحو نصف مليون، ولكنهم لم يسجلوا بصفة لاجئين، فالمملكة ليست بلداً مجاوراً لسورية، ولم يأتوا لاجئين، وإنما بتأشيرات زيارة طوال الأزمة فلم تضق بهم المملكة، لم تحملهم على المغادرة أو تعتقل من يحمل تأشيرة انتهت صلاحيتها، هناك دولة يفترض أنها شقيقة لسورية فعلت ذلك، بعضهم وجد فرصة جيدة للعمل، وآخرون لم يجدوا، سمحت لهم الحكومة بإرسال أولادهم إلى المدارس الحكومية، ولكن لا يعني ذلك أنهم سعداء، أعرف صديقاً سورياً تضاعف سكان شقته الصغيرة بجدة مرتين، ولا يملك إلا الصبر.

تستطيع المملكة أن تستقبل مزيداً منهم، كما تطالب بعض الدول الأوروبية والمنظمات الحقوقية بسذاجة أو خبث، ولكنهم لا يريدون أن يأتوها لاجئين، ما من فائدة في أن تقيم المملكة أو دول الخليج الأخرى مزيداً من المخيمات، لأن السوري ضاق بحياة المخيمات ويريد أن يعيش، ما لم نعد له وطنه فسيظل رحالاً يبحث عن وطن يؤمنه ويبني فيه مستقبلاً، والمملكة ودول الخليج لا تستطيع أن توفر له هذا الخيار.

أعرف سورياً آخر مقيماً في المملكة وينوي الهجرة بأية طريقة يستطيع إلى أوروبا، يسمع عن ابن عمه الذي حصل على فرصة عمل ولم يلبث به الزمن أن أصبح سويدياً، مثل آلاف السوريين والعراقيين والأفغان والصوماليين، وغيرهم من البائسين العرب والمسلمين الذين ضاقت بهم أوطانهم المتخبطة بين الفشل والحرب والتطرف العلماني والديني والمذهبي.

نحن في السعودية لا نعطي الجنسية بسهولة، وكذلك معظم دول الخليج، السبب ليس عنصرياً أو شعوراً بالفوقية، فبلد كالسعودية، مواطنوه من كل الأعراق التي تشكل قوس قزح المهاجرين المنتظرين على البوابات الأوروبية، السبب اقتصادي صرف، حالنا كحال دول أوروبية لا تريد مهاجرين أجانب، كهنغاريا واليونان، لأن اقتصادها لا يستطيع أن يستوعبهم، ولسنا قوة اقتصادية هائلة كألمانيا تستطيع - بل تحتاج - أن تستوعب مزيداً من المهاجرين ولكنها تتمنع، لأنها تريد أن تنتقيهم لا أن تستقبلهم كسيل جارف.

نحن من المجموعة الأولى، وإن غلبتنا أخوّتنا للسوريين ففتحنا لهم أبوابنا بقدر ما نستطيع، اقتصادنا لا يستطيع تحمل لاجئين يتحولون إلى مقيمين، ذلك أن سوقنا متشبعة بعمالة أجنبية لا نحتاج إلى معظمها أصلاً، فانعكس ذلك سلباً على مجتمعنا واقتصادنا، نفكر بتردد لحل هذه المشكلة المتراكمة، تصدمنا أرقامها وواقع البطالة بين أبنائنا كلما عقدنا مؤتمراً لبحث «العمالة الوافدة في دول الخليج، واقعها ومستقبلها» كان هذا عنوان دراسة نشرت الأسبوع الماضي في موقع الجزيرة للدكتور جاسم حسين، لا بد أن من قرأها شعر بالقلق وأدرك الأخطار التي تكتنف مستقبل الخليج وهو يلج في بحر من العمالة الوافدة التي تبقى أجنبية ما حييت في مجتمع لا يريد ولا يستطيع توطينها، ولكننا سرعان ما ننسى أو نتجاهل قلقنا ونستأنف حياتنا الاقتصادية المشوهة لأننا بتنا «مدمنين» على تلك العمالة الأجنبية التي تشكل ثلث «الشعب» السعودي وأكثر من النصف حتى 80 في المئة من عدد السكان في بقية الدول الخليجية، يريد بعضنا أن يقلل أعدادهم (متأكد أن المسؤولين بالمملكة يريدون ذلك ويخططون له) وبالتالي فإن «توطين» مئات آلاف من السوريين سيربك كل حسابتنا الاقتصادية ومصالح المواطنين، وقد قلت «توطين» لأن هذا ما يريده السوري، إنه لا يريد خيمة أو «هنغار» حديدياً آخر كالذي تركه في الزعتري بالأردن أو غازي عنتاب بتركيا، ليس هناك ما يميز خيمة على أخرى، كلها بائسة بعدما تقضي فيها عاماً أو عامين وأنت تنتظر العودة إلى الوطن، إنه يريد أن يستقر، أن يصبح «مواطناً»، ليكن أردنياً، ولكن لا وظائف كافية هناك، أو مواطناً تركياً، كي يحاجج رب عمله هناك ليحصل على راتب مساو لراتب زميله التركي.

لم يفر والد الطفل الغريق إيلان الكردي صاحب الصورة الشهيرة التي فجرت قضية اللاجئين السوريين حول العالم، من عين العرب (كوباني) نحو البحر مباشرة، لقد عاش قبلها في تركيا أشهراً عدة، جرّب حياة المخيمات، ثم قبل براتب متواضع يساوي ربع ما يحصل عليه التركي، ولكنه ضاق بذلك، فاقتصد وجمع أربعة آلاف دولار التي تكفيه للانضمام إلى رحلة «مقامرة الموت»، إما أن يكسب أوروبا وضمانها الاجتماعي وفرص العمل والاستقرار ومن ثم التجنس والمواطنة، وإما الموت، كان نصيب أسرته الموت، ونصيبه هو أن يحدثنا عن مأساته، ويعيش مكلوماً بقية عمره.

إنهم ليسوا في حاجة إلى ملاجئ، فهناك ملاجئ لهم في الأردن وتركيا ولبنان، انتشر فيها نحو أربعة ملايين سوريين مسجلين - رسمياً - لاجئين، ولكنهم في حاجة إلى وطن، والسعودية ودول الخليج لا تستطيع أن تكون ذلك الوطن البديل.

حري بأزمة اللاجئين السوريين أن تكشف للسعوديين والخليجين عوار سوق العمل عندهم، والخطأ الجسيم الذي ارتكبوه في معاندة السنن الإلهية التي جعلت للجزيرة العربية قدراً معلوماً في الموارد الطبيعية، فأثقلوها بعدد سكان لا تستطيع تلبية حاجاتهم في المأكل والمشرب، الخليجي يستهلك من الموارد الطبيعية أضعاف النسبة التي قدرها الله لسكان الجزيرة، جرت أقدار الله ثم قوة التاريخ إلى أن يترك الفائض من العرب جزيرتهم كلما اختل التوازن بينهم وبين قدرتها على العطاء، الشام والعراق كانتا دوماً الوجهة المفضلة، حتى جاء النفط والحدود، فتوقفت الهجرة، بل أصبحت الجزيرة، للمرة الأولى منذ أن خلقها الله، جاذبة للسكان، حتى تشبعت فلم تعد تستطيع استيعاب من يريد العودة إليها، إنها بالكاد تستطيع استيعاب أهلها.

الحل أن نذهب إلى هناك، ونصلح أوضاع الشام مهما كلف الأمر، حتى يصلح لأهله فيبقون فيه ويعودون إليه، ما شهدناه في السعودية والخليج ولم نشك منه، وما شهدته أوروبا وشكت منه، ما هو إلا رأس جبل ثلج هائل من البشر يتشكل منذ أربعة أعوام، وسيفيض علينا جميعاً، فالشعب السوري أيضاً يريد الحياة.

arabstoday

GMT 07:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ويْكَأن مجلس النواب لم يتغير قط!

GMT 06:31 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 06:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 06:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 06:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 06:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

GMT 06:21 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الصناعة النفطية السورية

GMT 06:19 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

دمشق وعبء «المبعوثين الأمميين»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أن تكون لاجئاً سورياً في السعودية والخليج أن تكون لاجئاً سورياً في السعودية والخليج



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:38 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
 العرب اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 14:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
 العرب اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة  بالروسي

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab