كيف نوقف انهيارنا العظيم المتمادي

كيف نوقف انهيارنا العظيم المتمادي؟

كيف نوقف انهيارنا العظيم المتمادي؟

 العرب اليوم -

كيف نوقف انهيارنا العظيم المتمادي

بقلم : جمال خاشقجي

قبل 5 أعوام، انقسمت دول المنطقة بين مناصر للربيع العربي، وخصوم له متوجسين منه. انغمس الفريقان في تحولات المنطقة غير المسبوقة، كل تبعاً لاجتهاده، من دون اتفاق بينهما بل مع قدر كبير من التنافس، والنتيجة هي ما نعيشه جميعاً الآن، وأستعير جملة رائعة صاغها الزميل الكبير حازم صاغية في مقالته الأسبوعية بهذه الصفحة قبل أيام تصف واقع الحال الذي نعيشه بأنه «انهيارنا العظيم المتمادي»، فما السبيل لوقف هذا «الانهيار العظيم المتمادي» العابر للحدود والذي كلما توقعنا أننا رأينا أسوأه، يسفر عمّا هو أسوأ؟

لا وقت للتلاوم، ونحن ننتظر صور أحدث هجرة من هجرات أبناء المنطقة، والتي اتسمت بأنها هجرات للسنّة الذين شكلوا تاريخ المشرق العربي، بكل امتداداته التاريخية لزمن الحضارة والازدهار ومقاومة الغزاة. نعم جميعنا ينتظر صور الهجرة الكبرى لسنّة الموصل، تلك المدينة العظيمة التي عقدت فيها يوماً نية الجهاد وتحرير الأقصى من الصليبيين، وشهدت مع حلب، رفيقتها في التاريخ والشهادة، أهم حركة إحياء سنّي قبل ألف عام. على رغم حلكة الليل، ثمة أمل، بأن «الإخوة الكبار» بصدد إعادة ترتيب علاقاتهم والانتقال من التنافس إلى التنسيق، ولكنهم في حاجة إلى إعادة رسم خطوط التماس التي فرقتهم. قبل خمسة أعوام كان الموقف من الربيع العربي والثورات وما تبع ذلك من مواقف حيال الإسلاميين الذين تصدروا المشهد، هو ما حدد المواقع والتمترس خلفها. اليوم اختلط المشهد، وتداخلت التحالفات وتبدلت. ظهر ذلك في الخلاف السعودي - المصري اثر قصة التصويت الشهيرة بمجلس الأمن، إذ بدت مصر وكأنها في المعسكر الآخر الذي يواجه السعودية، حليفها المفترض، ثم أصرت على إظهار «استقلالها» باستقبالها رئيس الاستخبارات السورية علي مملوك بغرض «تنسيق المواقف سياسياً بين سورية ومصر وكذلك تعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب الذي يتعرض له البلدان»، كما ذكرت «وكالة الأنباء السورية»، بعد أن صرخت قائلة: «لن نركع لغير الله» (عبارة خارج السياق والزمان).

في المقابل، وقبل ذلك بأيام يجتمع في الرياض وزراء خارجية دول مجلس التعاون وتركيا في ورشة عمل جادة، يتباحثون وينسقون المواقف ويضعون الخطط لمعالجة قضايا المنطقة الجارية والدامية والمهددة للأمن القومي العربي، أو بالأحرى «أمن المنطقة القومي»، فالأتراك باتوا شركاء مع السعوديين والخليجيين على أرض العرب من الموصل شمالاً حتى اليمن جنوباً، وللأسف غابت عن الاجتماع مصر، على رغم أنها معنية به وبكل تفاصيله.

إذا رسمنا دوائر المتغيرات الحاصلة، وفق معطيات التحالفات القديمة سنجد تداخلاً كبيراً بمن حضر ومن غاب، ما يعطي الأمل بتغير مهم في خطوط الانقسام من ضفتي الموقف من الربيع العربي إلى ضفتي الاستقرار ضد الفوضى، وهو ما ينبغي أن يكون لوقف حال الانهيار العظيم، الذي يراه حازم صاغية «مدهشاً ويستعصي على التفسير وهو يحصل بهذا الحجم الجيولوجي» وهذا التوصيف البليغ للأستاذ صاغية، وهو من عاش تاريخ كوارث العرب في هذا القرن والذي قبله وسجلها بأكثر من كتاب ومقالة، فيتساءل «كيف يمكن أن يجتمع في منطقة واحدة، وفي المرحلة الزمنيّة عينها، انهيار دول بأمّها وأبيها، وانهيار شعوب تغادر بلدانها بالآلاف المؤلّفة؟ وكيف يمكن أن يتزامن انهيار الأفكار والطوائف والإثنيّات والأحزاب والأيديولوجيّات كأنّها أبراج من قشّ؟»
حال الانهيار المتمادي هذه هي ما يجب أن تشكل تحالفات المنطقة، من هو معها أو جاهل بخطرها ومن هو مدرك كارثيتها على الجميع، بناء على ذلك يجب أن تتشكل التحالفات.

الأسابيع الأخيرة شهدت أقبح صور الانهيار في حلب، ثم تتبعها الموصل، ولكنها أيضاً شهدت تحركات تشير إلى تغيير مهم في المسار، ابتدأها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، إذ زار أنقرة، ومن هناك أطلق جملته الشهيرة التي تم تناقلها على نطاق واسع لترسم طبيعة المرحلة إذ قال: «نحن وتركيا مستهدفان، والبلدان بحاجة الى بعضهما البعض»، ما يعني أن الذي يجمع المملكة وتركيا هو إدراكهما الاستهداف والتحديات الممثلة في الفوضى واختراق أمن المنطقة، وبالتالي يجب أن يعملا معاً. هذا يفسر طبيعة اجتماع الرياض بين الخليجيين والأتراك، فالتحديات التي أدركوها مجتمعين جعلتهم ينحون تلك الاختلافات بينهم التي شكلت منحنى سلبياً خلال سنوات الربيع العربي الأولى، الى مرحلة تعاون يجب أن يكون عنوانها «وقف الانهيار العظيم والمتمادي».

يصب هذا في زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد الى تركيا، ولقائه المسؤولين هناك بما في ذلك الرئيس رجب طيب أردوغان، وترافقت الزيارة مع تصريحات دافئة متبادلة بين الطرفين، ما شجع على التفاؤل بأنها إيذان بطي فترة توتر بين البلدين، وما كان لها أن تتم من دون الرغبة والنصح السعوديَين، وإدراك الإمارات وتركيا ضرورة فتح صفحة جديدة للتعامل مع أزمات المنطقة.

ما يجرى في ليبيا اليوم من أحداث يكشف كيف أن الاختلافات الأيديولوجية التي حكمت علاقات «الإخوة الكبار» في المنطقة كانت عبثية، فرئيس وزراء حكومة الإنقاذ خليفة الغويل والذي قاد انقلاباً على حكومة الوفاق المدعومة من المجتمع الدولي كان وحكومته شركاء مع الإسلاميين و «الإخوان»، ولا تزال مجموعة من الميليشيات الإسلامية بشرق ليبيا تدين له بالولاء، في الوقت نفسه مد يده للتصالح مع القائد العسكري خليفة حفتر المعادي بشدة للإسلاميين و «الإخوان»، والمدعوم مصرياً، ويجمعهما اليوم العداء مع حكومة الوفاق التي يقودها السراج المدعوم من السعودية وتونس والجزائر والمغرب، إضافة الى المجتمع الدولي، فمن مع من في ليبيا؟ وأين الأيديولوجيا؟ إنها الفوضى التي غلبت الجميع، فتجلى ذلك في ليبيا، والتي تشكل خريطة «انهيارنا العظيم المتمادي» وهي التي ينبغي أن تتفرغ القوى للقضاء عليها.

كان ينبغي للأخ الأكبر أو «الإخوة الكبار» أن يدعموا عملية التغيير التاريخية في الجمهوريات العربية بترشيدها وتسهيل الخلافات الطبيعية التي ستطرأ بين قوى سياسية عاشت عقوداً تحت حكم قمعي ماتت فيه السياسة وافتقد الجميع مهارات التوافق والديموقراطية. للأسف اختار كل «أخ كبير» مجتمعاً أو متضامناً مع إخوة كبار آخرين يوافقونه الرأي فريقاً في تلك الجمهوريات البائسة، لم ينتصر أحد، وكانت النتيجة التي نراها اليوم، وتجسدها الحال الليبية بتشظياتها التي تولد منها تشظيات أخرى كل بضعة أشهر.

الآن وقد سادت روح التعاون بين «الإخوة الكبار» فالفرصة مواتية لتعديل مسار التاريخ، لترسم خطوط الاتفاق والانقسام الحالية حول من مع «التوافق» ومن هو ضده؟ من يشارك في خطة لإحلال سلام مجتمعي يجمع كل الفرقاء في اليمن وسورية وليبيا ومن يريد نصرة فريق على آخر؟ ويشمل ذلك الأخذ على يد من يعطل اتفاقاً توافقياً، فطرف واحد يمكن أن يخرب عمل جماعة.

ولكن سيبقى «فريق الإخوة الكبار» في المنطقة، مفتقداً لمصر، بحجمها وثقلها الاستراتيجي، ولا بد أن الرياض تشعر بالضيق لأن الحليف الذي تمنت لم يكن معها في الاجتماع الخليجي - التركي، إذ كيف تمكن مناقشة إنقاذ الموصل من إيران، وسورية من الفوضى واليمن من الانقسام، في غياب القاهرة وهي صاحبة علاقة بكل «الأقاليم» العربية الثلاثة. الجيد أنها لم تيأس بعد، لا تزال تأمل بعودة الغائب، وعسى أن يكون ذلك قريباً.

arabstoday

GMT 04:45 2021 الإثنين ,01 آذار/ مارس

صواريخ إيران وقميص خاشقجي

GMT 05:03 2021 الأحد ,28 شباط / فبراير

تقرير خاشقجي: انطباعات جوفاء بلا قيمة

GMT 21:27 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يعني حضور محمد بن سلمان قمة العشرين؟

GMT 07:27 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

من مفكرة الأسبوع

GMT 07:07 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

التوقعات في أزمة «خاشقجي»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف نوقف انهيارنا العظيم المتمادي كيف نوقف انهيارنا العظيم المتمادي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab