لا تخافوا ترامب ولكن استعدوا له

لا تخافوا ترامب... ولكن استعدوا له

لا تخافوا ترامب... ولكن استعدوا له

 العرب اليوم -

لا تخافوا ترامب ولكن استعدوا له

بقلم : جمال خاشقجي

كتب الزميل عبدالرحمن الراشد في عموده الشهير، بعد فوز الرئيس باراك أوباما قبل ثمانية أعوام «لا تفرطوا في التفاؤل»، رداً على المحتفين بوصول رئيس مثقف إلى رئاسة أميركا، متعلم ويقرأ الكثير من الكتب، ويعرف عالمناً جيداً، ومهتم بالديموقراطية وحقوق الإنسان، ويشبهنا.

الخميس الماضي كتب «لا تخافوا ترامب»، رداً على المنزعجين من وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم هناك، ذلك بأنه على العكس من أوباما الذي تفاءلنا به، لا يعرف عالمنا ولا يحب الكتب، ولم يعرف الفرق بين الفلسطينيين والأكراد إلا متأخراً، وبالطبع هو غير مهتم بالديموقراطية وحقوق الإنسان، وبالطبع لا يشبهنا.

الأستاذ الراشد معه حق في الحالتين، فأوباما لم ينصر القضايا العربية، ولم يهتم حقيقة بحقوق الإنسان، ودعا العرب في جامعة القاهرة -وكنت ممن حضروا محاضرته الشهيرة آنذاك- إلى الحرية والديموقراطية، وعندما ثاروا في ربيعهم العربي (ولا فضل له في ذلك) لم يحمِ ثوراتهم الوليدة، وإنما ترك ثورات مضادة تفتك بها، وإيران تتغول عليها، فتنهار دولها وتدمر مدنها التاريخية وحواضرها، وهو يكتفي بالشجب والاستنكار!

بالطبع لن يشن دونالد ترامب حرباً علينا كي نخافه، وإن هدد بأنه سيدمر المدن التي يحتمي بها «داعش» ويقصفها طولاً وعرضاً، ولن يبالي بأن يستهدف عائلات الإرهابيين. وتعريفه للإرهابيين واسع جداً بشكل يدعو للقلق، وهو لو طبق سياسة حمقاء كهذه سيولد جيلاً من الإرهابيين. كما أنه لن يرسل لنا فاتورة في مقابل ما يزعمه من حماية، ولن يطرد المسلمين من أميركا، وقد «يلم» لسانه الحاد عن السعودية ودول الخليج بعدما أصبح رئيساً، ولكنه أيضاً سيفعل مثلما فعل أوباما، ما أدى إلى توتر العلاقة بينه وبين السعودية. «لا شيء» في سورية، ولا شيء حيال التغول الإيراني في عالمنا، هذا إذا لم يصطف في الجانب الآخر، فما صدر عنه من تصريحات قليلة حيال سورية تجعله أقرب إلى الموقف الروسي، ويعني ذلك الاستمرار في تدمير علاقات سعودية- أميركية عمرها أكثر من 60 عاماً، بدأها أوباما ببروده، وقد يكمل عليها ترامب باندفاعه ورعونته!

نريد أن نصدق أن «الرئيس» ترامب غير المرشح ترامب، وأن أميركا دولة مؤسسات، ولن يستطيع ترامب أو غيره دفع أميركا إلى سياسات غير متوقعة، وكل ذلك غير صحيح.

الرئيس ترامب هو المرشح ترامب، فتصريحاته الجانحة هي آراؤه حتى قبل 20 عاماً، وقبل أن يفكر في الترشح للرئاسة الأميركية، ليست تكتيكاً انتخابياً، وإنما هذا هو دونالد ترامب، يميني متطرف شعبوي، ويرى دول الخليج العربي مجرد آبار نفط! الرئاسة ستكسو أفكاره المتطرفة ببعض من الديبلوماسية، ولكن إن حككت قشرتها كثيراً فسيظهر لك دونالد ترامب الحقيقي، لذلك يجب التعامل معه بحذر.

الخطأ الثاني الذي يردده البعض، أنه رئيس «جمهوري» متسق مع الخطاب الجمهوري، وبالتالي يمكن أن يكون صديقاً للسعودية، كما كان معظم الرؤساء القادمين من ذلك الحزب، ولكنه ليس بالرئيس الجمهوري التقليدي، بل إن الجمهوريين لا يزالون في حال صدمة، ويتفكرون كيف يتعاملون معه وقد أصبح القيصر، من دون أن ينهار ما تبقى من قيم الحزب التقليدية.

الخطأ الثالث، أن أميركا دولة مؤسسات، ولا يستطيع الرئيس أياً كان أن يجنح بسياستها. لهؤلاء أذكّرهم بما فعل جورج بوش الابن بغزوه العراق، إذ استخدم دولة المؤسسات لتمرير قراره الغاضب، بما في ذلك تزوير الحقائق، وحصل الغزو، ولا يهمنا ما خسرته أميركا من تريليونات بسبب قراره الخاطئ. الذي يهمنا أننا خسرنا العراق كما نعرفه، ربما إلى الأبد، وجرى تقديمه على طبق من ذهب لإيران، والتي أطلقت من هناك -ولا تزال- مشروعها التوسعي الطائفي، والذي لا نزال نقاومه بعد أن وصل بعيداً إلى «شامنا ويمننا». حصل كل ذلك بسبب قرار رجل واحد أحاطت به مجموعة من المحافظين الجدد، بأجندة تخصهم. إذاً، لا يقولنّ أحد إن الرئيس الأميركي محدود الصلاحيات وتحكمه دولة مؤسسات، والمقارنة بين جورج بوش الابن ودونالد ترامب تقول إن الأول أكثر اعتدالاً وانضباطاً من الثاني، على رغم أنه كان يوماً موضع تندر عند الحديث عن السياسة الأميركية.

حتى الآن، القليل المتاح من المعلومات عن سياسة ترامب الشرق أوسطية لا يبشر بخير، وكذلك نوع المستشارين الذين من حوله والشخصيات المرشحة لوزارة خارجيته، مثل زعيم الغالبية السابق في الكونغرس نيوت غينغريتش وهو مسيحي متعصب لن يرى في الشرق الأوسط غير الأقليات المسيحية البائسة، أو جون بولتون ممثل أميركا في الأمم المتحدة زمن جورج بوش الابن، والذي يمكن وصفه بثقة بأنه ليكودي متعصب، حينها سنفتقد جون كيري بشدة.

ولكن طالما أن صفة الرجل التي تقلق العالم لا تزال «عدم اليقين» بسياسته وخططه، بالتالي يمكن توقع أن تتغير مواقفه عندما ينتقل من عالم تصريحاته الانتخابية، والتي لا تختلف كثيراً عما يطرح من آراء انطباعية مستعجلة على مائدة عشاء، إلى عالم السياسة المنضبطة بموقعه بصفته رئيساً، والمحكمة بمن حوله من مستشارين. فعلى سبيل المثال، تجده في سورية معجباً بسياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هناك، ويقول إنه سيحارب «داعش» والإرهابيين أولاً، ولا نعرف، وربما هو لا يعرف من يقصد بالإرهابيين، فإن اتبع تفسير بوتين فأعان الله الثورة السورية. ويضيف أنه يفضّل لو يبقى بشار الأسد حتى لا يأتي من هو أسوأ منه، معتمداً على تحليل مبسط، أن كل من جاء بعد صدام حسين ومعمر القذافي في العراق وليبيا كان أسوأ منهما. في الوقت ذاته هو ضد إيران و«حزب الله»، فهل سيدرك أن الانتصار لبشار وبوتين هو انتصار لخصومه إيران و»حزب الله»؟

ما سبق نموذج لآرائه، التي من الواضح أنها بحاجة إلى إعادة ضبط، وهنا قد تتوافر فرصة للسعودية، بحكم أنها قوة أساسية في المنطقة لا يستطيع ترامب إلا أن ينظر إليها عندما يحين وقت اهتمامه بالمنطقة، والذي لا نعرف متى، فهو أيضاً سيستمر في السياسة الأميركية الانعزالية. انشغالاته الداخلية كثيرة جداً، وهي ما أوصلته إلى الحكم، يحتاج إلى معجزة كي يحقق وعده لملايين الأميركيين بأنه سيعيد إليهم الوظائف التي ذهبت إلى الصين والهند، ولكن أحداث الشرق الأوسط المتفجرة لا بد من أن تلفت انتباهه، فهي من مهددات أمنه القومي، حينها قد ينظر إلى بوتين يطلب منه الحل، أو يوكل له (من الباطن) تنفيذ سياسة مشتركة بين البلدين. حينها ستقع الكارثة. هذا السيناريو الأسوأ، أما الأحسن أن يستمع لنصيحة أن من الضروري اللجوء إلى القوة السنّية المحلية، فهي الوحيدة القادرة على هزيمة «داعش» وإعادة الاستقرار، حينها لا بد من أن ينظر إلى السعودية، والأفضل ألا تكون وحدها، وإنما تكتلاً من القوى الفعالة في المنطقة، وكلمة السر هنا هي «الفعالة»، أي الدول التي لها حضور «إيجابي» في أزمات المنطقة، لذلك من الأفضل للمملكة أن تستعيد زمام المبادرة وروح «عاصفة الحزم»، بأن تحضر بقوة في أزمات المنطقة مع شركاء في عملية إطفاء حرائق من الموصل حتى طرابلس الغرب، حينها لن يملك ترامب المندفع إلا أن يتعامل باحترام مع المملكة ذات النفوذ في المنطقة.

السعودية تريد دوماً علاقات جيدة مع أميركا، ولكن المشكلة أن علاقتها معها تستحيل أن تقتصر على الثنائية فقط، كالتجارة والخدمات والتعليم وشراء الأسلحة وبيع النفط، قلما اختلف البلدان في هذه الأصعدة، إنما هي قضايا السياسة الخارجية. سابقاً كانت القضية الفلسطينية أهم أسباب الخلاف، اليوم توجد ثلاث قضايا أخرى، قانون «جاستا» وسورية واليمن، وكلها أسباب محتملة للخلاف مع ترامب أو الاتفاق معه.

لذلك يجب أن تكون المملكة أمامه في المنطقة، تحذره، ولكن لا تهابه وتنكمش خشية الصدام به. لا تندفع إليه، وإنما تمارس دورها في المنطقة مع حلفائها، بل حتى تتوسع فيه، حينها سيعرف الرئيس ترامب أن المملكة ليست مجرد «آبار نفط».

الأفضل أن تضع الرياض شروط التعامل مع ترامب أولاً قبل أن يفعل هو ذلك.

arabstoday

GMT 04:45 2021 الإثنين ,01 آذار/ مارس

صواريخ إيران وقميص خاشقجي

GMT 05:03 2021 الأحد ,28 شباط / فبراير

تقرير خاشقجي: انطباعات جوفاء بلا قيمة

GMT 21:27 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يعني حضور محمد بن سلمان قمة العشرين؟

GMT 07:27 2018 السبت ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

من مفكرة الأسبوع

GMT 07:07 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

التوقعات في أزمة «خاشقجي»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تخافوا ترامب ولكن استعدوا له لا تخافوا ترامب ولكن استعدوا له



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab