رجل الأعمال ورجل الدولة وبينهما رؤية 2030

رجل الأعمال ورجل الدولة وبينهما رؤية 2030

رجل الأعمال ورجل الدولة وبينهما رؤية 2030

 العرب اليوم -

رجل الأعمال ورجل الدولة وبينهما رؤية 2030

بقلم : جمال خاشقجي

أتخيل المسؤول وهو يراجع تفاصيل رؤية 2030، يقلّب اختياراته بين منطق رجل الأعمال ورجل الدولة، بينما يضع اللمسات الأخيرة لتفاصيل الخطة وأهدافها، وخطواتها القادمة، هل يمضي نحو «الدولة السعودية» ومواطنيها، ضعيفها قبل قويها، أم نحو «السعودية انكوربوريدت» بقوة أرقامها وأصولها، وتوقعات الربح والعوائد الهائلة التي سينفقها على الضعيف ويسعد بها القوي، ويبقي منهج «الدولة الرعوية» التي سادت خلال سنوات النفط؟

لكي أبسّط هذه الاختيارات المعقدة، أنتقل إلى صورتين، واحدة بمطار الملك عبدالعزيز في جدة، والثانية بمطار دالاس في العاصمة الأميركية واشنطن، في الأولى ترى رجال الجوازات والجمارك السعوديين، ومن حولهم عشرات العمالة الرخيصة، يقومون بالأعمال البسيطة الهامشية التي لا تستلزم خبرة، هنود في العادة، يحملون الأمتعة، ويوجّهون المسافرين، يضعون أغراضهم على سير التفتيش، ويرتدون زياً موحداً، على ظهورهم اسم الشركة المشغلة لهم والتي تحمل عادة اسماً محايداً، مثل «نجم الجزيرة» أو «الخدمات المتطورة»، وتتغير بين آونة وأخرى بتغيّر مناقصات «شركات التشغيل والصيانة».

في مطار دالاس، الجميع أميركيون، بمن في ذلك من يقوم بتلك الأعمال الهامشية، كبار في السن أو شباب، سيدات ورجال، واضح أنهم يعملون بالساعة للحصول على بعض من المال يسيّرون به حياتهم.

صورة جدة، هي إدارة «رجل الأعمال» الحريص على التوفير، وإراحة رأسه من هموم هذا الجمع من الموظفين، فيتعاقد من الباطن مع واحدة من شركات التشغيل والصيانة، التي تعتمد في قدرتها على التنافس على قدرة صاحبيها على الحصول على أكبر عدد ممكن من التأشيرات، فيستقدم عمالة ثم يكسب المناقصة فيشغّلها، وكلما قلّت كلفة العمالة ارتفع ربحه، لا شباب تنتشر بينهم ثقافة العمل، ولا تدريب، هو السعودي الوحيد في شركة الصيانة، ربما بضعة أسماء أخرى استجابة لشروط وزارة العمل، لا إبداع هنا ولا خبرة، مجرد حسبة دكاكين، وربح سريع لسنوات عدة، حتى يخسر المناقصة لسعودي وحيد غيره، حصل على غنيمته من التأشيرات وجاء دوره في عجلة الحظ.

الجميع راضٍ، رجل الأمن وجد عاملاً يساعده، مطيعاً، أحياناً يرسله لشراء ساندويتش الجبنة، المسافر سعيد، ومصلحة الطيران المدني سعيدة، التعيس هو الاقتصاد الوطني وثقافة العمل المختطفة.

في واشنطن، ومعظم مطارات العالم تجد إدارة «رجل الدولة» المعنية بتوفير الوظائف لأكبر عدد من المواطنين، يفضّل ألف مرة أن يحولهم إلى دافعي ضرائب ولو متواضعة من أن يتلقوا هبات، ومساعدات ضمان اجتماعي، ويبقي على ثقافة العمل حية في المجتمع، كثير من العاملين في المطار يوجّهون المسافرين ويقومون بوظائف غير ضرورية، ربما أكثر من الحاجة، ولكن من الواضح أن ثمة توجيهاً ما، أن وظّفوا وشغّلوا أكبر عدد من المواطنين.

هؤلاء ليسوا العباقرة الذين يبدعون مخترعات تدر البلايين على الناتج القومي الأميركي، إنما طالب يعمل لتوفير مال يكمل به تعليمه، ولعله يكون أحد العباقرة المتوخين، أو مجرد رجل متواضع القدرات يبحث عن «قرشين» تغنيه عن السؤال، أو سيدة تريد أن تساهم مع زوجها في توفير زبدة البيت وخبزه وقسط البيت الذي يعيشون فيه، في الغالب يتقاضون الحد الأدنى للأجور، ولكنه كافٍ أن يحملهم على العمل ساعات عدة. المهم هنا أن ثقافة العمل لا تزال حية في مجتمعهم، وأنهم وأمثالهم عشرات الملايين من الأميركيين يساهمون على رغم أنهم يشكون كثيراً ويطالبون بأجور أعلى في الناتج القومي لبلادهم.

بالطبع أتمنى من المسؤول السعودي أن يختار منطق «رجل الدولة» الحريص على الضعيف قبل القوي، لا منطق «رجل الأعمال» على رغم عذوبة حديث الأخير وحسن هندامه، وإجادته في عرض الأرقام، ونثر التوقعات. وأعتقد أن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القائد لرؤية 2030 سيتخذ القرار الصحيح عندما قال هناك «10 ملايين وظيفة يشغلها أجانب نستطيع أن نلجأ إليها في أي وقت نختاره... لكن لا نريد أن نضغط على القطاع الخاص إلا إذا كان هذا هو الملاذ الأخير».

تجلّى ذلك في قرار ضم وزارة العمل مع وزارة الشؤون الاجتماعية وتحويلهما إلى وزارة «العمل والتنمية الاجتماعية»، وجعل وزير العمل رئيساً لهيئة الأوقاف المستقلة التي تمتلك عشرات البلايين من الأصول، التي يبدو أنها ستوجّه لخدمة تمويل تحويل المحتاجين إلى عاملين، فكيف ذلك؟

في السابق، كان ملك البلاد لا يتردد أن يأمر وزير المالية بتخصيص بضعة بلايين إضافية يضعها تحت تصرف وزير الشؤون الاجتماعية كلما شكا له وعرض عليه أرقام الفقراء وعوزهم، ولكن ثبت بالتجربة أن هذه دائرة لن تنتهي، ولن يكون بمتناول الدولة الموارد الكافية للاستجابة مستقبلاً لمثل هكذا مطالب، الحل في الدفع بالمستفيدين من الضمان الاجتماعي والذين تقدر نسبتهم بنحو 20 في المئة من عدد السكان إلى سوق العمل، أو على الأقل نسبة طيبة منهم، وبالتالي ضمت وزارتهم إلى وزارة العمل المناط بها معالجة البطالة، وعلى وزير العمل أن يجد طريقة ما لدفع أكبر عدد منهم لسوق العمل، ولكنه سيجد أن سوق الأعمال البسيطة والمناسبة لهم محتلة من قبل ثالوث المتستّرين وشركات التشغيل والصيانة والعمالة الأجنبية الرخيصة وشبكتها الواسعة، التي تماهت مع السوق السعودية واكتسبت الخبرة والمعرفة، وتمرست على تقنين وضعها غير النظامي بشتى الحيل.

هذه مهمة رجل الدولة، لا رجل الأعمال، فالمسألة هنا ليست «نسبة نمو» يباهي بها، ولا ناتجاً قومياً، ولا إحصاءات تصدير وإنتاج، إنما استقرار وطن، ومصلحة مواطن، ونشر لثقافة العمل، بعد ذلك يأتي دور رجل الأعمال ليوظّف هذه الثقافة، واستعداد المواطن للعمل بعدما تتحرر السوق، ويكتسب الخبرة والمهارة، فيبدع معهم، ومع الشباب والشابات السعوديات القادمين من أفضل الجامعات في مصانع وخدمات مبدعة وفريدة.

المجتمع الصحي هو الذي لا يترك الضعيف خلفه، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم، لم يقل ذلك ملتون فريدمان الاقتصادي الفائز بجائزة نوبل، والذي لا بد أن معظم الاستشاريين الذين شاركوا في وضع رؤية 2030 درسوا أعماله، وإنما رسول الله، محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم.

arabstoday

GMT 00:01 2023 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

«الاستثمارات العامة» السعودي... والجلد الخشن!

GMT 12:12 2023 الثلاثاء ,28 آذار/ مارس

«رؤية 2030» وتجديد الخطاب الديني

GMT 07:12 2022 الثلاثاء ,21 حزيران / يونيو

درس العقلانية السعودية

GMT 04:57 2022 الثلاثاء ,19 إبريل / نيسان

الاعتدال الديني مسؤولية مستدامة

GMT 10:00 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مملكة الاستباقية... قِبْلة للعالم وقمة «G20»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رجل الأعمال ورجل الدولة وبينهما رؤية 2030 رجل الأعمال ورجل الدولة وبينهما رؤية 2030



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab