أردوغان لا يزال في موقع القيادة

أردوغان لا يزال في موقع القيادة

أردوغان لا يزال في موقع القيادة

 العرب اليوم -

أردوغان لا يزال في موقع القيادة

جمال خاشقجي

نشرت صحيفة خبر وفاة الكاتب الأميركي الساخر مارك توين، فرد عليها برسالة قال فيها: «إن تقريركم حول وفاتي مبالغ فيه بشكل كبير». هذه الطرفة يستخدمها السياسيون الأميركيون عندما يريدون أن ينفوا خبراً حولهم، بالتالي يمكن للرئيس التركي رجب الطيب أردوغان أن يستخدمها في ما لو سيلقي كلمة على صحافيين وسياسيين عرب ممن استعجلوا إعلان وفاته سياسياً وحزبه بعد إعلان نتائج الانتخابات التركية الأحد الماضي.

صحيح أن النتائج أشارت بوضوح إلى تراجع حزب «العدالة والتنمية» الحاكم لتركيا منفرداً منذ 12 عاماً في سابقة لم تحصل منذ إعلان الجمهورية هناك، ولكنه لا يزال في موقع القيادة، له أكبر كتلة في البرلمان، ورئيسه السابق هو رئيس الجمهورية، والأحزاب الثلاثة الفائزة بعده بينها من الخلافات ما يجعل ائتلافها وتشكيل حكومة في ما بينها مستحيلاً، وإن حصل فسيكون ائتلافاً لن يدوم طويلاً، ما يعني إجراء انتخابات أخرى خلال أقل من سنة يعود فيها «العدالة والتنمية» الى سدة الحكم متنعماً بغالبية مريحة.

هذا ما يعتقده أنصار الحزب الحاكم، وكثير من المحللين هنا في إسطنبول، حتى ذهب بعضهم إلى القول إن نتائج الانتخابات تكاد تكون مكيدة من السياسي المحنك الطيب أردوغان لفضح أحزاب المعارضة وإشهار عجزها عن إدارة البلاد، فهو لا يزال الرئيس الممسك بكل خيوط السياسة والمال مع الجيش والخزانة، وحزبه (نظرياً لم يعد حزبه، بعدما أصبح رئيساً للبلاد، ولكن الجميع يعلم أنه صاحب الكلمة الفصل هناك) هو الحزب الأوسع انتشاراً والأكثر انضباطاً وطاعة، ولا يزال مسيطراً على البلاد، وبشكل أفقي أيضاً على معظم البلديات والمجالس المحلية، بل إن هذه الجولة الخاسرة سيستخدمها الحزب أو الرئيس (لا فارق)، كمحلل من التزام وضَعه الحزب على نفسه من دون غيره من الأحزاب، يمنع أفراده من الترشح في ثلاث دورات برلمانية، بغرض تجديد كوادر الحزب ودفع دماء شابة، وبالتالي خسر في هذه الانتخابات خيرة كوادره ذات الخبرة والتجربة، مثل صانع الاقتصاد التركي علي باباجان، وبولاند أرنيج الخطيب المفوّه، وعبدالقادر أكسو ذي الشوارب العثمانية رجل التنظيم القوي في الحزب ونحو 70 آخرين من القيادات المؤسسة له، كل هؤلاء سيعودون وبقوة في الانتخابات المبكرة المتوقعة من دون أن يخلّ الحزب بالتزامه.

يراهن الحزب أيضاً على أن ما حصل سيكون «درساً» للناخبين الذين تخلوا عنه، الذين استيقظوا مباشرة في اليوم التالي على انخفاض في سعر الليرة، وآخر في البورصة، وفي اليوم الثالث بدأت الصحف تنشر أخباراً عن إلغاء عقود مع شركات، وفي اليوم الرابع بدأ الحديث حول مستقبل المشاريع الكبرى التي ضخها الحزب في الحياة الاقتصادية التركية اليومية لتوفر وظائف وتصنع أثرياء وطبقة متوسطة ورخاء. قال لي قيادي في الحزب طلب عدم ذكر اسمه: «الأتراك نسوا من هو الذي صنع كل هذا الرخاء، جيل جديد نشأ، بات يأخذ هذا الاستقرار على أنه ثابت وطبيعي في الدولة التركية، ونسي كيف عاش آباؤه»، مشيراً إلى حال الاستقرار السياسي التي سادت الجمهورية عقوداً طويلة مع صعوبات اقتصادية سبقت صعود حزبه. هذا الشعور بالثقة والتعالي هو أحد مشكلات «العدالة والتنمية»، وتسمعها كثيراً من المعارضة التركية، وهي واحدة من المسائل التي يحتاج الحزب إلى معالجتها. حضرت جدالاً بين نائب في الحزب لم يفز في الانتخابات، وكان يشعر بمرارة وغضب، وباحث وصحافي شاب مقرب من الحزب عن ضرورة أن يجري الحزب مراجعة، ويعترف بأخطائه التي أدت إلى أن يفقد كثيراً من الناخبين، خصوصاً في شرق الأناضول وإسطنبول. ارتفعت حدة النقاش عندما وصلت إلى الرئيس، إذ رفض النائب قول أحدهم إن أردوغان يتدخل في كل شيء، وأن الناس بدأوا يضيقون من ذلك، فرد عليه الشاب: «كلنا نعرف أنه يتدخل في كل شيء، وأنه الأقوى، ليس مهماً كيف نرى نحن أنصاره ذلك، إنه يبهجنا ويشعرنا بأنه قائد قوي، ولكن يجب أن نسمع للآخرين، الانطباع أحياناً يكون أقوى من الحقيقة».

هذا الجدال تحكمه قواعد عثمانية قديمة، خصوصاً حزب «العدالة والتنمية»، إذ يسود الاحترام والتراتبية، ولكن صدمة النتائج وارتفاع سقف التوقعات رفعت هي الأخرى صوت الشباب والرغبة في فتح حوار داخل الحزب، وهو ما وعد به رئيسه أحمد داود أوغلو، الذي قال إنه سيكون حواراً يشمل حتى المجالس المحلية في الأطراف.

الأتراك سيرتبون أمرهم، سيتدافعون ويصفون حساباتهم، ويكيدون لبعضهم البعض، ولكن بأدوات سياسية فقط من تحالف وتضاد وإقصاء وصفقات، ماذا لك وماذا لي؟

ليس هناك جيش يتدخل، ولا استخبارات تتآمر، الديموقراطية استقرت هنا، والدولة التركية قائمة مستقرة، وجدال معلقي الصحف العربية عقيم، ذلك أنه حتى العواصم العربية القليلة التي بقيت في حال عداء وتوجس من أردوغان وحزبه، لا تعرف في تركيا غير أردوغان وحزبه، ولو سألت وزير خارجية أحدها ما اسم زعيم حزب الشعب الجمهوري لما عرفه، باستثناء الرئيس السوري بشار الأسد، الذي طوّر علاقة لم تفده مع المعارضة التركية، ولكن من يعرف أين سيكون بشار نفسه غداً.

خلال «الفترة الانتقالية» الجارية، وحتى تستقر تركيا تماماً في يد «العدالة والتنمية» مرة أخرى، ستخف مشاركتها في أحداث المنطقة. لن تتوقف التزاماتها السابقة فهي التزامات دولة بحسب رأي المعلق السياسي التركي زاهد غول، ولكن ستكون الأولوية للرئيس وحزبه والوضع الداخلي والترتيب للانتخابات المقبلة التي لا ريب فيها.

المشكلة أن أحداث المنطقة لن تتوقف، ولكن مع صعود السياسة السعودية وملئها الفراغ الذي ساد لسنوات عدة، لا داعي للقلق. ليبيا بدأت أزمتها بالانفراج، اليمن مهمة سعودية خالصة، العراق لا يريد أحد الاقتراب منه الآن، ولكن ثمة دور مهم لتركيا في سورية، إذ تتسارع أحداثها بسرعة ولا تنتظر أحداً، خصوصاً في الشمال، أما الجنوب فالمملكة والأردن تقومان بواجبهما هناك، ولكن عندما يلتقي الشمال بالجنوب، لا بد حينها أن يتصل أحدهم بالسيد أردوغان، ويطلب منه التعجيل في ما تم الاتفاق عليه، فهو لا يزال قائد الأوتوبيس التركي الكبير.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أردوغان لا يزال في موقع القيادة أردوغان لا يزال في موقع القيادة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab