ذكريات 5 أكتوبر الجزائرية 2 من 2

ذكريات 5 أكتوبر الجزائرية (2 من 2)

ذكريات 5 أكتوبر الجزائرية (2 من 2)

 العرب اليوم -

ذكريات 5 أكتوبر الجزائرية 2 من 2

جمال خاشقجي

ذكرت في مقالة الأسبوع الماضي بعضاً من أحداث ما بعد 5 تشرين الأول (أكتوبر) 1988 الجزائري الذي مرت ذكراه الأسبوع الماضي، من دون احتفالية تذكر، على رغم أنه كان الفرصة الأولى للعرب أو بعضهم للانتقال إلى «نهاية التاريخ»، وفق رؤية الكاتب الأميركي فرانسيس فوكوياما، التي أؤمن بها، وذلك ببلوغ مرحلة الديموقراطية التعددية والتداول السلمي للسلطة، ولكنها فرصة ضاعت مثلما تضيع الآن فرصة ربيع 2011 التي حولناها إلى «محرقة» للمستقبل العربي.

في ذكريات ما بعد أكتوبر الجزائر عِبر، ولكننا لا نتعلم من أخطائنا وفرصنا التاريخية. الأخطاء نفسها تتكرر من حكم مُصرٍّ على الاحتفاظ بكامل الغنيمة، ونخب تبرر له، لأن نتائج التغيير لم تأت على هواها، ويمكنكم رؤية ذلك في الذكريات التالية:

* هرعت إلى المؤتمر الصحافي لإعلان نتائج أول وآخر انتخابات تشريعية حرة في الجزائر، التي جرت في 26 كانون الأول (ديسمبر) 1991، وصلت متأخراً، فوجدت زملائي خارجين من القاعة وكأن على رؤوسهم الطير، سألت الزميل الراحل قصي درويش، وكان خبيراً في الشأن الجزائري، عما حصل، فالمؤتمر بالكاد بدأ، قال: «كان أقصر وأخطر مؤتمر صحافي حضرته، وجمنا جميعاً بإعلان النتائج، لقد اكتسحت الإنقاذ النتائج بأكثر من 80 في المئة، لو ألقيت مسماراً لسمعته في القاعة، بعدما أعلن وزير الداخلية النتائج». في تلك الليلة وعلى عشاء جمع زملاء صحافيين وساسة جزائريين بدأ السؤال: «هل ستكون هناك دورة ثانية؟ هل ستلغى الانتخابات»؟

* ليلة رأس السنة، الحفلة المعتادة في فندق الجزائر يحييها أبناء الطبقة الراقية (أي الحاكمة) والديبلوماسيون والصحافيون، كانت النكتة الرائجة «هل هذه آخر حفلة رأس سنة»؟

* بعدها بأيام ذهبت للقاء الراحل عبدالقادر حشاني، الذي تولى زعامة «الإنقاذ» بعد اعتقال شيوخها عباسي وبلحاج في أحداث حزيران (يونيو) 1990 حين اعتصموا مع أنصارهم من أجل تعديل قانون الانتخاب. مقر الجبهة متواضع، خال إلا من عدد قليل من العاملين فيه أو أنصارها. القلق كان سيد الموقف، أخبرني أحدهم أن «سي عبدالقادر» في المسجد المجاور وسيأتي للموعد إثر انتهاء صلاة العشاء. لحظات ودخل مهندس النفط الذي تحول إلى سياسي، شاب ملتح، بجلباب أزرق اللون، فوق فنيلة برقبة عالية، تحدثنا عن استعدادهم للجولة الثانية من الانتخابات، إجابته كانت بسيطة: لا شيء، لا نريد أن نستفز أحداً، إذا جرت انتخابات فسنفوز بإذن الله. ما همّني أكثر هو هيئته التي تختلف تماماً عن الصورة المعتادة للسياسي العربي المحترف، إنهم طبقة الشعب الكادحة التي تصعد من القاع لتحكم، وقرّ عندي منذ ذلك اللقاء أن الصراع في العالم العربي ليس صراع تيارات، كما يصرف كثير من الكتاب جهدهم في تحليله، إنه صراع طبقات، طبقة عليا تعتقد بأن من في القاع لا يستحق أن يحكم، عقلية مملوكية لم تذهب بها سنوات الاستعمار والانقلابات والحداثة والعصرنة والتقلب بين اليسار واليمين.

* حضرت مظاهرة هائلة، مليونية بمسميات الربيع العربي، دعا اليها زعيم جبهة القوى الاشتراكية حسين آيت أحمد، الذي مثل وحزبه في انتخابات 1991 البديل «المدني الليبرالي»، ولكنه مني بهزيمة أمام «الإنقاذ» وإن جاء في المرتبة الثانية متقدماً على الحزب الحاكم، وكان شعار مظاهرته «لا للجمهورية الإسلامية ولا للدولة البوليسية»، وبدت وكأنها انتفاضة القوى المدنية في وجه صعود الإسلاميين. الجيش استجاب للمطلب الأول فقط.

* في مجلس الصديق محمد سعيد طيب في جدة الشهير بـ «الثالوثية»، إذ يعقد كل ثلثاء، كنت عائداً من الجزائر والجميع يسأل، ما الذي سيحصل؟ هل سيتدخل الجيش؟ أجبت بكل ثقة «لا أعتقد بأنه سيفعل، لو تدخل الجيش وألغى الانتخابات فستنفتح على الجزائر بوابة من جهنم».

* عدت إلى الجزائر بعد الانقلاب. في أول جمعة بعده كانت الأنظار مشرئبة فيما إذا ستنجح «الإنقاذ» في تحريك الشارع! جرى اعتقال كل قياداتها، ولكن صدرت دعوات إلى التظاهر وأخرى إلى العنف. عمدنا - مجموعة من الصحافيين - لأن نخرج معاً لتغطية أحداث ما بعد الجمعة المتوقعة، المسجد الذي اخترناه كان محاصراً برجال الشرطة والجيش، توتر يسود المكان، وشعور بالخطر، خرج المصلون بهدوء وسط رجال الأمن يرمقون بعضهم بنظرات، لم يتظاهروا ولكن كان صوتهم يرتفع بالهتاف كلما مضوا داخل الأحياء، لم يلاحقهم الأمن، ولكن لسبب ما أمرنا أحد الضباط بمرافقته إلى مخفر مجاور، حتى داخل المخفر كان التوتر سائداً، توقعنا أن نبقى هناك ساعات، زميل سوري كان يعمل مع فريق شبكة «سي إن إن» ومراسلتهم الشهيرة كريستيان أمانبور، تذاكى على رجال الأمن في المخفر فترك كاميرا تعمل، لاحظ أحد رجال الدرك ذلك، فلكمه بقوة، رأيت سن الزميل تطير في الهواء، انفعلت أمانبور وصرخت تطالب بالاتصال بالسفارة الأميركية فوراً، بعد نحو نصف ساعة جاء رجال يبدو أنهم مخابرات واصطحبونا إلى الفندق قائلين إنهم فعلوا ذلك من أجل حمايتنا! بدا واضحاً أن المزاج لم يكن تفاوضياً.

* هذه الحادثة لم أحضرها ولكن شاهدتها على شريط فيديو، عباسي مدني يخطب في اعتصام يونيو، يقول بحماسة «لو خرجوا علينا بدباباتهم (مشيراً إلى الجيش) لأكلناها أكلاً»، جزائري محب للسلطة عرض الشريط علي في مكتبه وقال ضاحكا: «وأكلوها أكلة» كناية عن «العلقة» التي نالها أنصار الجبهة ليلة 5 يونيو بساحة أول ماي، إذ اقتحم الجيش الساحة بعد منتصف الليل وأجلاهم بالقوة. هنا درس للإسلاميين، ألا يختبروا عنف الدولة العميقة.

* قصتي الأخيرة مؤلمة لمن يؤمن بمحورية القضاء في الدولة والحكم. التقيت بقاضٍ قبيل محاكمة زعيمَي الجبهة مدني وبلحاج، أخبرني بثقة «لن نحكم بإعدامهم، سنحكم عليهم 12 عاماً فقط». لم تعقد المحاكمة بعد فكيف يصرح إلى الصحافة بقول كهذا؟ أرسلت تصريحه بالفاكس إلى مكتب «الحياة» في لندن، إذ كنت مراسلها وقتذاك. غير انه يبدو ان الخبر شاع، إذ تلاحقت علي بعدها الاتصالات وعرفت لاحقاً أن مسؤولين جزائريين كباراً اتصلوا بالزملاء في المكتب الرئيسي. أكدت لمدير التحرير أن لدي تسجيلاً بقول القاضي، ولكن المصلحة اقتضت حذف جملة «سنحكم عليهم 12 سنة»، وبالفعل صدر الحكم كذلك!

ذكريات مؤلمة لعالم لم يتغير، ولا تزال الجزائر بعد 28 سنة حيثما تركها شباب 5 أكتوبر 1988 تبحث عن حل لمعضلة الحكم والتنمية. هي أفضل حالاً من دول عربية أخرى، حيث يبحثون عن قارب موت يحملهم الى اوروبا أو أسفل جسر يحميهم من القصف.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكريات 5 أكتوبر الجزائرية 2 من 2 ذكريات 5 أكتوبر الجزائرية 2 من 2



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab