صلاة استخارة لخادم الحرمين

صلاة استخارة لخادم الحرمين

صلاة استخارة لخادم الحرمين

 العرب اليوم -

صلاة استخارة لخادم الحرمين

جمال خاشقجي

تركت فندقي وتوجهت نحو الحرم النبوي الشريف قبيل صلاة المغرب بنحو نصف الساعة. لم يكن الحرم مزدحماً الخميس الماضي حين يفترض أن يكون هناك آلاف مثلي ممن اختاروا تمضية نهاية الأسبوع في المدينة المنورة لزيارة المصطفى عليه الصلاة السلام، وأداء صلاة الجمعة هناك.

ثمة تزاحم هنا، ولكن لا تزال هناك أماكن كثيرة شاغرة ومتاحة لي ولغيري. لو تيمنت وزاحمت من سبقني لوجدت مكاناً في الحصوة الأولى، ولكن اخترت مكاناً طيباً في الجهة الشرقية حيث توسعة الملك فهد، ليس بعيداً من موقع «اللبنة الأخيرة» التي تشرف رحمه الله بوضعها العام 1994، إيذاناً بإنهاء أكبر توسعة للحرم النبوي، جعلته قادراً على استيعاب أكثر من ربع مليون مصلٍ، بل يمكن أن تصل طاقته الاستيعابية إلى مليون مصلٍ بعد أن أضيفت الساحات المحيطة. كانت توسعة هائلة حتى شملت كامل المدينة النبوية، حيث عاش الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه وسيرته وأحداثها. شعور غريب عندما يدرك أي مسلم يقف في مكان ما من الحرم الحالي، فإنه يعيش في حيز مكاني ربما مر عليه حبيبه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. وليت رئاسة الحرمين تستعين بخبراء يشيرون إلى مواقع تاريخية شهدت سيرته الطيبة في حيز الحرم.

بعد الصلاة توجهت للزيارة. هنا مكان مزدحم. تقف أمام المواجهة الشريفة، بل لن تستطيع أن تقف. أمواج خلفك تدفعك إلى الاستمرار في رحلتك البطيئة جداً. تنظر ناحيتها. تقرأ عبارة «هنا السلام على رسول الله». تضيع منك الكلمات: «السلام عليك يا سيدي يا رسول الله، اللهم أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت...». وقبل أن تكمل، تجد نفسك أمام لوحة أخرى: «هنا السلام على أبي بكر الصديق»، وبجوارها تماماً: «هنا السلام على عمر بن الخطاب» رضي الله عنهما.

هذه مساحة لا مجال لتوسعتها، فهي محكومة بنصوص وتاريخ. وليت كل من يقترح أفكاراً غريبة تشوه المكان، مثل بناء دور ثانٍ في الروضة، أو عزل هذه المساحة عن الحرم، أن يُنهر ولا يسمح له بتكرار مثل هذه الحماقات. الحل الوحيد الممكن هو مزيد من التنظيم، والحق أن رئاسة الحرمين تمارس ضبطاً هنا اكتسبته عن خبرة، فلا تسمح لزائر يقصد الحجرة أن يغير رأيه ليلتف يساراً لدخول الروضة أو الحرم المجيدي. لا مجال غير أن تمضي في ذلك المسار المستقيم. رحلة السلام من باب السلام المرجو إلى باب السلام الدائم.

تأخرت في النوم صباح الجمعة بعدما أمضيت وقتاً طيباً في الحرم بعيد صلاة الفجر. إنها ساعة تجلٍ لو أمضيتها تدور بناظريك بين أطراف الحرم والمصلين والمسبحين والمستغفرين وفعلت مثلهم، ثم تريحهما على القبة الخضراء لرأيت كل همومك ومشاكلك تتفكك أمامك.

خلال استماعي إلى الخطبة، لفتت انتباهي الأسماء المكتوبة في أعلى الأقواس المحيطة بالحصوة، التي كانت أيام الصبا حصوة حقيقية، توجهت نحوها بعد الصلاة وجلت ببصري نحوها، إنها أسماء 24 علماً من أعلام المسلمين، صحابة اختلطت من دون ترتيب مع أسماء أئمة الشيعة الاثني عشرية. كأنني أراها للمرة الأولى، لا بد أنني رأيتها من قبل عندما كنت صبياً أجلس مع رفاق أو معلم لنا نتدارس. أعتقد بأن هذه الحصوة تستحق أن تسمى حصوة الوحدة الإسلامية. لو عاد النظام الإيراني إلى رشده وتوقف عن مغامراته التوسعية التي فرّقت المسلمين، وكانت أحد أسباب القتل والفوضى التي نعيشها من حولنا، واختار المصالحة مع إخوانه، فهذه الساحة مناسبة جداً لعقد قمة المصالحة الإسلامية الكبرى، أو على الأقل جلستها الافتتاحية.

لا بد من أننا كنا متسامحين خلال تلك الأيام عندما شيدت هذه التوسعة في عهد الملك سعود، واختيرت هذه الأسماء لتزين هذه الساحة بخط نسخ ذهبي متقن فوق أرضية خضراء. لا بد أيضاً من أن أكثر من متزمت بيننا كتب لأولياء الأمر يحضهم على إزالة هذه الأسماء، ولكن يأتيه الرد «بعدم المساس بأي شيء مضى عليه العمل». هذه القاعدة الذهبية التي وضعها الملك المؤسس عبدالعزيز عندما شرع بتوسعة الحرمين في عهده، وكان يرد بها على كل من يقترح تغييراً وتبديلاً فيهما.

بعد الصلاة وهذه التجليات، وجدت نفسي أستعد لمغادرة الحرم ومنه إلى جدة. كانت صورة الفنادق الحديثة وهي تشلح من رخامها ونوافذها تنتظر هدمها في إطار مشروع توسعة الحرم الجديدة والهائلة جداً تلاحقني. هل الحرم في حاجة إلى توسعة أخرى؟ مهما وسعنا في الحرم فلن نستطيع أن نوسع مقصد الزوار، المواجهة والروضة الشريفتين، فلم التوسعة التي ستكون كلفتها بليونية باهظة لا أحد يعرف ويجزم برقم محدد لها؟ توسعة تبعد أهالي المدينة من حرمهم.

أهالي المدينة هم روح الحرم، فتسميتهم الأولى «المجاورون». كانوا يأتون من أطراف العالم الإسلامي ليستقروا في المدينة حباً في الحرم وصاحبه عليه الصلاة والسلام، فشكلوا نسيجاً مدينياً خالصاً. ثم في العهد السعودي استمر هذا النسيج في التشكل. دخل أبناء القبائل العربية الذين كانوا يقيمون على أطرافها في النسيج المدني، ومعهم مئات من الأسر السعودية التي اختارت الهجرة والاستقرار في المدينة، خصوصاً من القصيم والأحساء. كل هؤلاء باتوا يشكلون أهل المدينة. هم روح الحرم، ولكن لا تجدهم في الحرم ولا حوله مثلما كانوا. الوصول إلى الحرم بات صعباً عليهم. المتاجر غلبها التستر والمتسترون، فأخرجوا السعوديين من السوق. الحرم في حاجة إلى مواقف سيارات أكثر من حاجته إلى توسعة جديدة، والسوق من حوله في حاجة إلى إعادة التاجر السعودي المديني إليه، فهو المعروف بحسن الاستقبال وحلاوة اللفظ وحسن المعشر. الحرم ليس مشروعاً استثمارياً، ولا ينبغي أن يكون. إنه حياة وروح وريحان وإيمان وصلاة وتسبيح واستغفار وعشق للمصطفى عليه الصلاة والسلام.

اخترت ركناً هادئاً في الحرم قبل مغادرتي، ونويت أن أصلي صلاة استخارة، قلت في ضميري إنها لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله. رفعت يدي بعد الركعتين، وتوجهت إلى الله عز وجل: «اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا نقدر وتعلم ولا نعلم، إنك أنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن في أمر توسعة الحرم النبوي الشريف خير للمسلمين في دينهم ودنياهم وعاقبة أمرهم فأتمها وأنجزها على أيدي عبدك وخادم حرمك سلمان بن عبدالعزيز وبارك لنا فيها وارضنا بها، وإن كنت ترى فيها هدراً للمال يكلف الدولة أعباء هي في غنى عنها في زمن كثرت فيه التحديات والتقلبات، وأن فيها إبعاد أهالي المدينة وأحباب نبيك من جيرة حبيبهم وحرمهم، فاصرفها عنا واصرفنا عنها، وأبدلهم عنها بما ييسر لهم الحياة إلى جوار حرم نبيك من مواقف سيارات وتسهيل في المواصلات وتحسين في الخدمات، واكتب لنا ولهم الخير حيث كان، وارضنا وارضهم بذلك».

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صلاة استخارة لخادم الحرمين صلاة استخارة لخادم الحرمين



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab