لدينا حلم مشترك شرق أوسط سعيد

لدينا حلم مشترك: شرق أوسط سعيد

لدينا حلم مشترك: شرق أوسط سعيد

 العرب اليوم -

لدينا حلم مشترك شرق أوسط سعيد

جمال خاشقجي

كنا معاً في بيروت، ضمن مجموعة باحثين، سفراء وربما رجال استخبارات سابقين يمثلون دولاً «متورطة» في صناعة الأزمة السورية التي كانت محور نقاشنا على مدى يومين، ومعها المشهد الشرق أوسطي الكارثي، بما مضى منه وما هو آتٍ، جمعنا «معهد الشرق الأوسط» الأميركي المدعوم أميركياً وعربياً. كانت جلسات اليوم الأول محبطة ومثيرة للكآبة، تبادلنا اللوم، بعضنا مصرّ على تبني موقف حكومته، فيبرر ما لا يمكن تبريره أخلاقياً وسياسياً من قصف وحشي وقتل عشوائي للمدنيين في سورية، بينما يفترض أن يكون باحثاً متجرداً من مواقفه السياسية.

لم تخفف أجواء بيروت الممطرة ذلك الإحباط، وهي العاصمة العربية التي تدعو إلى التفاؤل، إذ تدار منذ عامين بحكومة من دون رئيس دولة، لكن أجواءها الاحتفالية واستعدادها لموسم الأعياد المسيحية يجعلها أفضل من عواصم كثيرة تفخر حكوماتها باستقرارها بقبضة استخباراتية حديدية.

في اليوم الثاني ازدادت سخونة المناقشات، أحدنا صرخ في باحث إيراني وصف الوهابية بالنازية، فتوترت الجلسة، ولكن عبّر ذلك عن انسداد أفق السياسة والرغبة في العيش بسلام بعيداً من منطق القوة. شعرنا جميعاً بمزيد من الضيق والاكتئاب.

ثم جاءت الجلسة الأخيرة، إذ طلبت مديرة الجلسة، وهي سيدة لبنانية أميركية تقود هذا الفريق من «حوار الشرق الأوسط» منذ سنوات عدة، التفكير في المستقبل بأكبر قدر من الجرأة والحرية. أطلق أحدنا العنان لخياله واقترح فكرة «الشرق الأوسط السعيد» قائلاً: لنفترض أن الحروب انتهت والأزمات اختفت بقدرة قادر، وأصبحت دول الخليج العربي على وفاق ووئام مع إيران، واستقرت أحوال العراق وسورية، واستعادت مصر عافيتها، واختفت الهواجس تجاه تركيا، لنتخيل كل هذا على امتداد شرق أوسط كبير مستقر ومزدهر ومنفتح ومتعاون من إيران شرقاً وموريتانيا غرباً، ومن عدن جنوباً إلى إسطنبول شمالاً. لنحلم بشرق أوسط سعيد، ونفكر معاً في وضع قدرات وإمكانات دوله وشعوبه لتحقيق هذا الحلم، ونجمع أفكارنا في كتاب بعنوان: «الشرق الأوسط السعيد» يحل محل الكتب الكثيرة التي تتحدث عن شرق أوسط مأزوم وميؤوس منه.

بعد صمت وتريث، بدأ الزملاء بالتعليق، فقد بث الحلم طاقة إيجابية تدفعنا لنسترسل في الحلم وإن كان طوباوياً إلا أنه كما قال باحث لبناني أميركي: «ليس حلماً مستحيلاً إذا واكبه تخطيط استراتيجي بعيد المدى».

مضينا في لعبة الحلم والتفكير بالخطة الاستراتيجية، قال الزميل العراقي: ستوفر البصرة والعراق بدجلته وفراته الغذاء والماء للسعودية ودول الخليج، وتحدث الباحث التركي عن بلاده بوصفها ممراً للنفط والغاز العراقي والخليجي إلى الأسواق العالمية، هكذا مضى حلم الشرق الأوسط السعيد نحو ساعة في أجواء إيجابية، جدد خلالها الباحثون الكهول شبابهم وكأنهم طلبة في مختبر افتراضي يكتشفون مستقبل شرق أوسطي مختلف وواعد.

المتحدث الإماراتي حاول التوفيق بين «الحلم الطوباوي» و «الحلم الواقعي» واقترح فكرة استبدال العلاقات التناحرية بتطوير سلسلة من «العلاقات الوظيفية التكاملية» بين دول الشرق الأوسط السعيد، بمعنى أن تتحدث دول المنطقة، وبدعم من قوى دولية صديقة، عن أزمة المياه مثلاً، وهي أزمة حقيقية وتهدد وجود بعض الدول ولا تقل خطورة عن الصراعات السياسية المنهكة وتهديدات قوى التطرف والغلو الظلامية. لو وضعت الدول المتحاربة الآن خلافاتها جانباً وانشغلت بالبحث عن حلول لمشكلاتها المائية والغذائية ومعالجة هموم شبابها لكانت أسعد حالاً مما هي عليه اليوم.

السفير الأميركي السابق في دول عربية عدة الذي جرب أسوأ ما في عالمنا، إذ كاد أن يقتل بتفجير انتحاري هائل في عاصمة عربية، ذكّر الحضور باتفاق هلسنكي الذي عقد في ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والغرب، وكان بداية تعاون غير مسبوق بين المعسكرين أدى إلى تخفيف حدة الصراع وقام على مبادئ «عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة، واحترام حقوق المواطنة والحريات السياسية والمدنية، والسيادة الوطنية، وحصانة حدود الدول ووحدة أراضيها وسلامتها، وحل الخلافات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وترسيخ مظاهر التعاون وتنفيذ الالتزامات والتعهدات الدولية بما ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي». لو طبقت دول المنطقة هذه المبادئ لكان الشرق الأوسط أسعد حالاً مما هو عليه، بدلاً مما هو عليه الآن (المنطقة الأكثر عنفاً في العالم).

الشرق الأوسط بعيد كل البعد من هذا الحلم، لكن ما المانع في الحلم؟ لقد خرجت أوروبا من الحرب العالمية الثانية في حال سيئة جداً، وبدأت رحلة التغيير بحلم أن تكون موحدة، وها هي تعيش منذ 75 سنة أطول فترة ازدهار في تاريخها. وكذلك هي حال قارة آسيا التي كانت تتخبط في أزماتها وفقرها المدقع، لكن بدأت رحلتها بحلم نمورها الاقتصادية التي حولت آسيا إلى مركز الثقل الاقتصادي الجديد.

قلنا في البداية إنه حلم بشرق أوسط سعيد نابع من رحم واقع مأزوم وسوداوي ومحزن، ولو استسلمنا للعقبات والمعوقات الكثيرة، كغياب الديموقراطية واحتكار السلطة والثروة والفساد والطائفية والمناكفات السياسية والايديولوجية، علاوة على ازدواجية الخطاب كما هي الحال بالنسبة إلى إيران، التي تتحدث عن التعاون الإسلامي لكنها على أرض الواقع تدفع بميليشيات تقاتل في صف ديكتاتور مستبد، لمات الحلم وانتفى السعي لتحقيقه.

نحن على يقين بأننا لسنا وحدنا من يعيش حلم شرق أوسط سعيد. لقد حلم قبل نحو نصف قرن حاكم دبي المرحوم الشيخ راشد بن سعيد بأن تكون مدينته مثل مدينة البصرة عندما كانت توصف بأنها فينيسيا الخليج، وتمكن بالجهد والتخطيط من تحقيق حلمه فحول دبي إلى أكبر ميناء في المنطقة والعالم بأسره. ونحن نختم هذه المقالة المشتركة، تلقينا، ومن دون تخطيط، تغريدة من ابنه حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، كأنه كان معنا يحلم في جلستنا الختامية ببيروت. كتب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لخمسة ملايين مواطن عربي يتابعونه في «تويتر» قائلاً: «منطقتنا العربية في حاجة إلى حكمة لتفكيك اختناقاتها السياسية، وحوكمة لإدارة مواردها البشرية والمالية، وحكومات نشيطة تستطيع قيادة تنمية حقيقية».

كانت تلك التغريدة خير ختام، وخصوصاً أنها تأتي من صاحب قصة نجاح عربي بدأت بحلم، حلم مدينة تتبوأ قائمة المدن السعيدة في العالم، يمكن أن يكون أيضاً حلم شعوب ودول منطقة عربية وشرق أوسطية بعيداً من واقع العنف والتطرف والبؤس والاستبداد والفساد.

إنه حلم سعيد، ولكن من الممكن أن نجعله حقيقة.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لدينا حلم مشترك شرق أوسط سعيد لدينا حلم مشترك شرق أوسط سعيد



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab