بقلم - أسامة الرنتيسي
قديمًا في وسط العاصمة عمان، في منطقة الشميساني تحديدا، في منتصف شارع الشريف عبدالحميد شرف، كان هناك مبنى شكل قلعة للحرية والحريات، اسمه مجمع النقابات المهنية.
هذا المجمع كان العنوان الدائم للأنشطة الوطنية في زمن الأحكام العرفية، وتواصل هذا الفعل في مرحلة ما سميّ التحول الديمقراطي، وطغى حضور هذا المجمع وفعله النقابي والسياسي والوطني على فعل الأحزاب السياسية حتى بعد مرحلة الترخيص والعلنية.
أهم المحاضرات والندوات واللقاءات احتضنها هذا المجمَّع، كما احتضن كل ما كان لا يمكن عقده بسبب تعقيدات كثيرة، وكان دائما عنوانا جَمْعِيًا للجميع من مختلف التيارات السياسية والفكرية.
لم تختلف قيمة مجمع النقابات المهنية في فترة سيطرة القوميين واليساريين على قرار المجمع، كما لم تختلف في فترة سطوة التيار الإسلامي وبقي عصيًا على الترويض واستمر شعلة في النشاط والحضور.
من داخل أروقته تشكلت لجان كثيرة، أبرزها لجنة مقاومة التطبيع حيث كان لها الدور البارز في لجم أية محاولة لتشويه وجدان الشعب الأردني، وبقي نقيا عصيا على أي اختراق تطبيعي مع العدو الصهيوني.
على درجات سلمه القليلة، وقف المعتصمون والمتظاهرون والمتضامنون مع القضايا الوطنية والقومية والإسلامية والإنسانية، وفي جنبات قاعاته طورت النقابات المهنية عملها المهني والنقابي، كما استضافت عشرات بل مئات المعارض والندوات، وأحيت المناسبات الوطنية والقومية جميعها.
كان مجلس النقباء في سنوات خلت صاحب القرار الفعلي في الحراك الشعبي والوطني، وكان بعض رؤساء مجالس النقباء يشكلون العنوان الأبرز في الفعل العام، وكلمتهم مسموعة، عند النقابات والأحزاب والمشتغلين في العمل العام جميعهم.
الآن؛ نرى غيابا واضحا لِما كان يسمى مجلس النقباء، ولم نعد نسمع به حتى في أعقد اللحظات التي تحتاج إلى موقف واضح وصريح، يعبر عن موقف النقابات المهنية الوطني والسياسي في الشأن العام.
نتذكر جيدا، قبل سنوات عندما قادت النقابات المهنية شعلة احتجاج الأردنيين ضد قانون ضريبة الدخل، التي تطورت إلى احتجاجات الدوار الرابع التي أسقطت حكومة الدكتور هاني الملقي.
صحيح أن النقابات وقتها خذلت الاحتجاج، وتراجعت بعد لقاءات وحوارات مع الحكومة، لكن يسجل لها أنها كانت نقطة الانطلاق لهذا الفعل الشعبي.
في هذه الأيام، وفي عز التضامن مع فلسطين والأقصى والمقدسات، لا تلقى دعوة النقابات المهنية حضورا يتجاوز 100 شخص، في حين كان المجمع يفيض بالحضور إلى جنبات الشوارع المحيطة به في أقل دعوة لأي نشاط يعلن عنه.
مَن أفرغ مجمع النقابات المهنية من قيمته المعنوية والوطنية كعنوان للعمل السياسي والنقابي والوطني يتحمل المسؤولية في تراجع مستوى العمل السياسي عموما في البلاد.
أمعقول أنه لم يبق في مجمع النقابات المهنية سوى معرض الملبوسات التركي المفتوح طيلة ايام السنة، وغابت عنه باقي المعارض والفعاليات السياسية والنقابية والوطنية.
صحيح أن مجمل الحالة العامة في البلاد شهدت تراجعا ملموسا في كل شيء، لكن حالة مجمع النقابات المهنية ومجلس النقباء مختلفة للقيمة المعنوية التي ترسخت في عقول الأردنيين طوال السنوات الماضية.
الدايم الله…..