غزة وأزمة الفكر الفلسفي عند هابرماس

غزة وأزمة الفكر الفلسفي عند هابرماس

غزة وأزمة الفكر الفلسفي عند هابرماس

 العرب اليوم -

غزة وأزمة الفكر الفلسفي عند هابرماس

بقلم: لحسن حداد

في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 (أسابيع قليلة بعد هجوم «حماس» على إسرائيل) نشر أربعة مفكرين ألمان (من ضمنهم الفيلسوف المشهور يورغن هابرماس)، على منصة «نورماتيف أورضرز»، بياناً غريب الأطوار يطرح أكثر من سؤال جوهري حول تناقضات وأزمة الفكر الأنواري الغربي.

يقول بيان هابرماس ورفاقه إن ما سموه «فظائع (حماس) وردِّ إسرائيل» أديا إلى ارتفاع الاحتجاجات وتصاعد حدة المواقف. وهذا يجب ألا يحجب ضرورة التضامن مع إسرائيل واليهود في ألمانيا، مضيفين أن ردَّ إسرائيل أمر مشروع، مع أن هناك مَن يجادل في كيفية تدبيرها لهذا الرد، ولكن الأساس هو احترام مبادئ التناسب وحماية المدنيين من الأذى، ولكن الذهاب إلى حد اتهام إسرائيل بجرائم الإبادة أمر فيه كثير من المغالاة. غير أن كل هذا لا يبرر، حسب هابرماس وزملائه، تصاعد الردود المعادية للسامية في ألمانيا. لذا على الكل احترام خصوصية حماية اليهود من أي أذى في ألمانيا تماشياً مع الخط السياسي والأخلاقي المعتمَد لردء أي شيء يُذكِّر باضطهادهم وإبادتهم في الفترة النازية.

كانت هناك ردود عدة على هذا البيان، ولكن الرد الأكثر دلالة كان لآسف بيات، أستاذ السوسيولوجيا بجامعة إلينوي بأوربانا شامباين. في رسالة موجهة إلى هابرماس، يقول بيات إن بيان هابرماس ورفاقه يشجع على خنق النقاش حينما تَعمَّد الخلط بين انتقاد سياسة إسرائيل ومعاداة السامية. وتساءل بيات: ماذا جرى لمفهوم هابرماس حول «المجال العام»، الذي يقول بـ«التداول» و«الحوار العقلاني»، في وقت يتم فيه قمع النقاش حول حقوق الفلسطينيين في ألمانيا، واضطهاد مَن تجرأ على الدعوة إلى وقف إطلاق النار أو انتقاد الاحتلال الإسرائيلي والتقتيل في فلسطين.

هذا في وقت لا يجادل فيه منتقدو إسرائيل ضرورة «حماية حق اليهود في الحياة وحق إسرائيل في الوجود»، يضيف بيات، ولكنَّهم ينتقدون إنكار «حقوق الفلسطينيين وحق فلسطين في الوجود». يتساءل بيات مخاطباً هابرماس: «لا أفهم هذه البرودة الأخلاقية واللامبالاة من جانبكم في مواجهة» التقتيل والتدمير الممنهجين في حق الفلسطينيين في غزة. وكأنَّ هابرماس يخشى من أن أي تعاطف مع الفلسطينيين قد ينقص من التزامه الأخلاقي من أجل حق اليهود في الحياة، يضيف بيات. وهذه «البوصلة الأخلاقية الملتوية» ملتصقة التصاقاً وثيقاً بما يسميه بيات «الخصوصية الألمانية» فيما يخص اليهود وإسرائيل، التي يتبناها هابرماس. يفكك بيات هذه النزعة الخصوصية على أنها تجعل حقوق البعض (اليهود وإسرائيل) تعلو على حقوق الآخرين، وهي بهذا تغلق الباب أمام الحوار العقلاني الذي يقول به هابرماس في كتاباته.

في الختام، يناشد بيات هابرماس أنه في زمن الحيرة والقلق ما أحوج الإنسانية إلى مفاهيم هابرماس حول «التواصل، والكونية، والمواطنة المتساوية، والديمقراطية التداولية، وكرامة الإنسان». غير أنَّ القول بالخصوصية الألمانية والتقوقع الأوروبي على الذات يُفرِغُ هذه المقولات من محتواها، يضيف بيات.

غير أنَّ لي رأياً مخالفاً لما يقوله آسف بيات. أظن أنَّ الفكر الهابرماسي، ومعه الفلسفة الأنوارية والفكر الغربي بشكل عام، لم يكن يوماً ما غير متقوقع على الذات الأوروبية وعلى الجنس الأبيض (انظر حميد ضباشي: «بفضل غزة تم فضح الفلسفة الأوروبية على أنَّها أخلاقياً مفلسة»، ميدل إيست آي، 18 يناير/ كانون الثاني 2024، الذي أتفق مع أطروحته، ولكنني لا أشاطره كيف شرحها وفصَّلها). مقولة هابرماس الرائدة حول «المجال العام» ملتصقة التصاقاً تاماً بتاريخ تطور البورجوازية والديمقراطية الأوروبية، وهذا شيءٌ طبيعي. ما هو غير طبيعي أن هابرماس لم يتكلم قط في كتاباته حول كيف أن صعود الرأسمال والبورجوازية والمجال العام كفضاء لتداول الأفكار لم يكن ليكون لولا استغلال خيرات الدول غير الأوروبية، ولولا وجود حركة «استكشافية»، أي استعمارية، استعبدت شعوب دول الجنوب وسلبتها سيادتها ومواردها.

لهذا فمن الصعب على هابرماس الذي يساند الصهيونية، اعتبار هذه الأخيرة نوعاً من الاستعمار الاستيطاني المبني على تهجير السكان الفلسطينيين الأصليين، لأن هؤلاء مثلهم مثل الشعوب المستعمَرة لا دلالة لهم في منظومته المفاهيمية. فبينما يقوض الفلسطينيون الحكي المثالي المتمثل في أسطورة الرجوع والميعاد ووطن يحمي اليهود من الإبادة، فإن الشعوب المستعمَرة تفكك مثالية «المجال العام» كفضاء للتداول الديمقراطي، لأنها تقاوم الاستغلال الذي هو أصل البنية المادية التي أسَّسَتْ لمجتمعات أوروبية تتداول حول قضاياها بطريقة عقلانية.

كما أن نازية هيدغر لا يمكن فصلها عن فلسفته كما يفعل البعض (ومنهم هابرماس)، فإن سكوت هابرماس عن الاستيطان والاحتلال وخلطه بين نقد إسرائيل ومعاداة السامية، لا يمكن فصله عن فلسفته المتقوقعة على الذات الأوروبية، وهي فلسفة لا تعير أدنى اهتمام للخلفية الاستعمارية والاستغلالية للثري الأوروبي الذي أوجد الرأسمال والبورجوازية والديمقراطية، أي البنية التحتية لتطور «المجال العام».

 

arabstoday

GMT 19:32 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

عن دور قيادي أميركي مفقود...

GMT 10:16 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

الانتخابات يوم والمحبة دوم

GMT 05:44 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

قبعة ومسدس

GMT 05:42 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

من المرشد إلى السنوار

GMT 05:40 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

... عن أولئك المستوطنين الدينيّين!

GMT 05:38 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

تلك الأيام بين أسامة وصدام

GMT 05:36 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

بين فيلادلفيا... وصلاح الدين

GMT 05:33 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

الأحزاب التقليدية الأوروبية وطوفان اليمين المتطرف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة وأزمة الفكر الفلسفي عند هابرماس غزة وأزمة الفكر الفلسفي عند هابرماس



نجوى كرم تخطف الأنظار بإطلالة راقية والشعر الأشقر

الرياض ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - طرق مثالية لتنسيق الجمبسوت الأبيض في موّسم صيف 2024

GMT 19:26 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

حسن الرداد وإيمي سمير يعودان بمسلسل قصير رمضان 2025
 العرب اليوم - حسن الرداد وإيمي سمير يعودان بمسلسل قصير رمضان 2025

GMT 10:26 2024 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

رفع القيود عن حركة الطيران في المطارات الروسية

GMT 08:18 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

الطيران الإسرائيلي شن 20 غارة فجرا جنوب لبنان

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

ارتفاع قتلى الإعصار ياغي إلى 65 و39 مفقودا في فيتنام

GMT 10:23 2024 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

ارتفاع حالات الإصابة بحمى الضنك في عاصمة بنجلاديش

GMT 11:46 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

رفض استئناف البرازيلي روبينيو في عقوبة حبسه 9 سنوات

GMT 09:52 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

راغب علامة يعلّق على شائعة وفاته في دبي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab