إن إعلان المؤامرة على عروبة فلسطين، الجزء الجنوبي من سوريا، والمتمثلة بتصريح وزير الخارجية البريطانية بلفور عام 1917، كان ذلك إعلانا للمحور الثاني للمؤامرة على الوطن العربي بإنشاء قاعدة عسكرية استعمارية غربية على شكل دولة لليهود، تستهدف الأقطار العربية وتهدد أمنها وتعيق إن لم تمنع وحدتها.
وكان المحور الأول للمؤامرة على الوطن العربي يتمثل بالاتفاقية البريطانية الفرنسية عام 1916 المسماة باسم واضعيها: سايكس / بيكو ضمن سياسة تجزئة الوطن العربي وبموجب هذه الاتفاقية تم تجزئة سوريا وما كان يسمى بلاد الشام إلى أربعة أقطار: لبنان، وشرق الأردن وفلسطين وما تبقى سوريا.
هذه القاعدة العسكرية الاستعمارية الصهيونية في فلسطين تفصل المشرق العربي الآسيوي عن المغرب العربي الإفريقي. وحتى يصبح هذا الوضع والتجزئة والقاعدة العسكرية الصهيونية أمرا واقعا، فقد اتبعت بين أمور أخرى سياسات إعلامية وتربوية وتثقيفية لكل قطر عربي، فيكون له تاريخه المستقل ومصالحه الخاصة به، وأصبحت القطرية واضحة في المناهج المدرسية وفي وسائل الإعلام. وفي الإعلام الغربي المهيمن على الإعلام العالمي لم نعد نسمع كلمة وطن عربي أو أمة عربية، ولكن هنالك الشرق الأوسط، وهنالك شمال إفريقيا كعناوين للوطن العربي، وهنالك أخيرا دول سنية! كذلك أصبحت العلاقات الاقتصادية بين أي قطر عربي والأقطار الغربية والآسيوية، هي الطاغية والمهيمنة على العلاقات بين هذا القطر أو ذاك مع بقية الأقطار العربية، وأصبح هنالك مصالح لفئات من المجتمع في كل قطر مع الفئة الحاكمة بهذه التجزئة وتدافع عنها وتجد تبريرا لها كأمر واقع لا راد له.
القضية الفلسطينية التي ظلت قضية العرب سلما وحربا: حكومات وشعوبا منذ إعلان تصريح بلفور والاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917 بهدفه المعلن على تنفيذ هذا التصريح، ظلت قضية فلسطين قضية عربية حتى أصابها داء الهوية والقطرية وبشكل معلن ورسمي عام 1974، كما كانت الشعارات القطرية تترسخ في كل قطر.. الأردن أولا والأردن للأردنيين..
ومصر أولا ومصر للمصريين.. وهكذا حتى أصبح فلسطين أولا.. وفلسطين للفلسطينيين، فقضية الاحتلال الصهيوني لم تعد إعلاميا احتلالا لوطن عربي بل احتلالا لفلسطين وللشعب الفلسطيني!! ولتنحصر القضية الفلسطينية كما نرى منذ اتفاقية أوسلو عام 1993 كشأن فلسطيني وجد طريقه بالاعتراف (بحق إسرائيل بالوجود) و(محاربة من يخالف ذلك).. حتى تمحور الرأي في القضية الفلسطينية حول الخلاف بين حركتي فتح وحماس كأنه القضية!!.. وفي الحقيقة يراد بذلك أن تتم المصالحة بقيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ليصبح هنالك شيء من الإجماع على الاعتراف بالكيان الصهيوني. الفلسطنة لم تتوقف عند هذا الاعتراف الخطير بل تعدته إلى التنسيق الأمني. وكلمة التنسيق مجازية ففي حقيقة الأمر هو ليس تنسيقا بل خدمة الأمن في الكيان الصهيوني، فهذا الكيان الصهيوني لا يقدم خدمات أمنية ومعلومات عن تحرك قواته وجماعاته للجانب الفلسطيني؟!!
قبل الاسترسال في الحديث عن الهوية الفلسطينية، فيجدر التوقف عند الرسالتين المتبادلتين بين عرفات والكيان الصهيوني واللتين تلخصا اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993.
الرسائل المتبادلة بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية
ورئيس الحكومة (الإسرائيلية) ووزير الخارجية النرويجية
في 9 أيلول / سبتمبر
1993
الرسالة الأولى بتاريخ 9/9/1993 من عرفات إلى اسحق رابين رئيس وزراء الكيان الصهيوني:
من رئيس م.ت.ف. ياسر عرفات إلى رئيس الحكومة (الإسرائيلية) يتسحاق رابين:
السيد رئيس الحكومة
إن توقيع (إعلان المبادىء) يرسم بداية عصر جديد في تاريخ الشرق الأوسط. ولهذا، فاني أود، وبإيمان راسخ، إن أؤكد التزامات م.ت.ف. التالية:
تعترف م.ت.ف. بحق دولة (إسرائيل) في الوجود بسلام وامن.
تقبل م.ت.ف. قرارى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقمى 242 و338.
تلتزم م.ت.ف. عمليه السلام في الشرق الأوسط وحلا سلميا للنزاع بين الطرفين، وتعلن إن جميع المسائل المعلقة والمتعلقة بالوضع الدائم ستحل من خلال المفاوضات.
وتعتبر م.ت.ف. إن توقيع (إعلان المبادىء) يشكل حدثا تاريخيا ويفتح عهدا جديدا من التعايش السلمي خاليا من العنف وجميع الأعمال الأخرى التي تهدد السلام والاستقرار. واستنادا إلى هذا، فان م.ت.ف. تنبذ (renounces) اللجوء إلى الإرهاب وأعمال العنف الأخرى وستتحمل مسوولية جميع عناصر وموظفى م.ت.ف. كى تضمن إذعانهم وتمنع الخروقات وتتخذ الإجراءات التاديبية بحق المخالفين.
وبالنظر إلى الوعد بعصر جديد والى توقيع (إعلان المبادىء)، واستنادا إلى القبول الفلسطيني لقراري مجلس الأمن 242 و338، فان م.ت.ف. تؤكد إن بنود الميثاق «الوطني» الفلسطيني التي تنكر على (إسرائيل) حق الوجود، وفقراته التي لا تتلاءم مع الالتزامات الواردة في هذه الرسالة، ستصبح ملغاة وغير سارية المفعول بعد الان. وبالتالي، فان م.ت.ف. تتعهد بعرض التعديلات الضرورية المتعلقة بالميثاق الفلسطيني على المجلس الوطني الفلسطيني للحصول على موافقته الرسمية عليها.
المخلص
ياسر عرفات / رئيس منظمة التحرير الفلسطينية
والرسالة الثانية:
رسالة رابين إلى عرفات:
من رئيس الحكومة (الإسرائيلية) يتسحاق رابين إلى رئيس م.ت.ف. ياسر عرفات:
السيد الرئيس :
ردا على رسائلكم المورخة في 9 أيلول سبتمبر 1993، أود إن اؤكد لكم انه في ضوء التزامات م.ت.ف. الواردة في رسالتكم، قررت حكومة (إسرائيل) الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا للشعب الفلسطيني، وبدء المفاوضات مع م.ت.ف. ضمن إطار عملية السلام في الشرق الأوسط. (انتهت الرسالة وبنفس تاريخ رسالة عرفات)!!
يتسحاق رابين / رئيس الحكومة الإسرائيلية
ويلاحظ بينما كانت رسالة عرفات الى رابين مفصلة في مسؤوليات وواجبات المنظمة نحو الكيان الصهيوني إلا أن رسالة رابين اكتفت بإمكانية التفاوض مع المنظمة، وكانت تصريحات مسؤولين في الدول العربية مباركة وتأييدا!!
وبعد هذه الرسائل التي تلخص اتفاقية أوسلو.. كان حال الدول العربية ولسان المسؤولين فيها (نرضى بما يرضى به الفلسطينيون)… وطبعا إذا عملوا ما نريده!!
مقدمات لفلسطنة الصراع مع العدو الصهيوني
بعد هزيمة عام 1967 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، نذكر حادثين أو أمرين بارزين في فلسطنة الصراع واستبدال التحرير بهوية فلسطينية!! هوية يقرر شكلها التفاوض مع العدو (الكيان الصهيوني)، الحادث الأول: في أعلى المستويات بعد احتلاله للضفة الغربية بدأ العدو الصهيوني يتصل بقيادات شعبية فلسطينية يعرض عليها قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، وتم رفض ذلك رفضا تاما يكاد يكون شاملا، وصدر بيان من رموز الحركة الوطنية في الضفة الغربية، بيان يشجب ويحذر مما يسمى الدولة الفلسطينية المقترحة، وقد صدر بيان سمي “الميثاق المرحلي” لعدد من الوجهاء والهيئات الفلسطينية في الضفة الغربية في 4/10/1967 أي بعد 4 شهور فقط من احتلال الضفة الغربية.. ورد فيه: “إننا نؤكد اصرارنا على عودة وحدة الضفتين ولنذكر بألم أن أوضاعا سادت أجهزة الحكم في الأردن خلفت آثارا محزنة في نفوس المواطنين، ولكننا نعلم بأن شعب الأردن بضفتيه، وقد هزته النكسة، لعلى وعي تام بالأخطاء التي ساهمت بوقوعها، وأنه عاقد العزم على تقويمها.. اننا نرفض بإصرار الدعوة المشبوهة لإقامة دولة فلسطينية، يراد لها أن تكون منطقة عازلة بين العرب وإسرائيل، مرتبطة بالوجود الصهيوني الدخيل، ونعتبر تلك الدعوة وسيلة لإخراج القضية الفلسطينية من محيطها العربي وتجريدها من مفهومها القومي، وعزل الشعب العربي الفلسطيني عن أمته العربية، وأن إقامة مثل هذه الدولة من شأنه تصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية..”. (البحث عن كيان، ماهر الشريف ص 182، 183).
الحادث الثاني: تزامنا مع الحادث الأول يوضحه ما ذكره صلاح خلف الذي كان يعتبر الرجل الثاني في حركة فتح بالقول: بأنه في مؤتمر لحركة فتح بعد شهرين فقط من هزيمة حزيران 1967 تم عرض تقرير سياسي لحركة فتح يتضمن إعلان التأييد لقيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، وانه وكما يذكر بالرغم من واقعية التقرير اصطدم بمعارضة حادة داخل أجهزة القيادة لحركة فتح فقررنا إحالة التقرير الى المحفوظات بانتظار مجيء أيام افضل، (فلسطيني بلا هوية ص 220 / 221)، ويذكر السيد سليم الزعنون أحد قادة فتح ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني أن الذي قاد رفض الفكرة هو محمود مسودة، قيادة عرفات (ص 133 / 134).
وإذ رفضت قيادة فتح مبكرا الموافقة على هدف دولة فلسطينية، إلا أن نشاطات منظمة التحرير بقيادة حركة فتح استمرت بالتفاوض مع الكيان الصهيوني في هذا المجال بشخصيات اسرائيلية للبحث عن تسوية واقامة كيان فلسطيني بدءا بنشاطات مدير مكتب المنظمة في لندن سعيد حمامي منذ عام 1972 ولقاءاته مع يوري أفنيري، ثم استقال من هذه المهمة، وبدأ عصام السرطاوي هذه الاتصالات.. وكانت اتصالات سرية تنكرها قيادة حركة فتح، وتم اغتيال سعيد حمامي عام 1978 وعصام السرطاوي عام 1983، ولعل ذلك لاغلاق الحوار حول هذه الاتصالات والذي كان مرفوضا ومدانا في حينه، أو هي اغتيالات من قبل عناصر فدائية ضد هذه الاتصالات.
وكان محمود عباس هو المكلف بالاشراف على هذه الاتصالات التي شرحها الصحفي الاسرائيلي والنائب السابق في الكنيست يوري أفنيري في كتابه صديقي العدو “My friend the Enemy”، ومحمود عباس الذي اشرف على هذه الاتصالات هو الذي وقع اتفاقية اوسلو وطلبت الولايات المتحدة من عرفات بتعيينه رئيسا لوزراء السلطة الفلسطينية، ولكن عرفات لم يعطه الصلاحيات وحرض أعضاء السلطة التشريعية ضده فاستقال إلى أن توفي عرفات فجيء به رئيسا للسلطة.
ونحن نتحدث عن السير نحو الهوية بدلا من التحرير نذكر، أنه في معركة الكرامة آذار 1968 حيث كان هجوم إسرائيلي واسع في منطقة الغور الأردني على مواقع للمنظمات الفدائية الفلسطينية ومنها حركة فتح.. وقد حسم المعركة مدفعية الجيش الأردني. ولكن إذا عدنا للصحافة العربية والاعلام المرئي والمسموع سنجد أن دور الجيش الاردني الحاسم تم تجاهله أو وضعه في الزوايا، واعتبرت المعركة معركة فتح.. وفي ضوء هذا الاعلام جاء آلاف المتطوعين من الدول العربية لينضموا لحركة فتح!!، وكان أعلام هذه المعركة منطلقا لهيمنة حركة فتح على منظمة التحرير الفلسطينية، مع ان العديد من الحركات الأخرى في المنظمة قد شاركوا بهذه المعركة وتم كذلك تجاهلهم إلى حد كبير. كان ذلك اشارة الى تبني حركة فتح من الأنظمة العربية كقيادة فلسطينية.
الدور القومي والمسؤولية القومية عن التحرير ورفض فكرة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، وتحديد دور الشعب الفلسطيني كطليعة للتحرير وليس بديلا عنه، هذا الدور يقرأ بوضوح في الميثاق القومي الفلسطيني الذي وضع عام 1964 وبناء عليه قامت منظمة التحرير الفلسطينية، وفيه نفي لاقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، فالمادة 24 تنص على أن المنظمة لا تمارس أي سيادة اقليمية على الضفة الغربية ولا قطاع غزة وسوف يكون نشاطها على المستوى القومي الشعبي في الميادين التحريرية والتنظيمية والسياسية والمالية. والمادة (4) شعب فلسطين يقرر مصيره بعد أن يتم تحرير وطنه، والمادة (12) تنص على أن الوحدة العربية وتحرير فلسطين هدفان متكاملان.. والمادة (13) تنص على أن مصير الأمة العربية، بل الوجود العربي بذاته، رهن بمصير القضية الفلسطينية، ومن هذا الترابط ينطلق سعي الأمة العربية وجهدها لتحرير فلسطين، ويقوم شعب فلسطين بدوره الطليعي لتحقيق هذا الهدف القومي المقدس، والمادة ( 41/2 تنص على أن تحرير فلسطين هو واجب قومي تقع مسؤولياته كاملة على الأمة العربية بأسرها حكومات وشعوبا وطليعتها الشعب العربي الفلسطيني!!
هذا الميثاق الذي ظلت حركة فتح تعدل وتبدل بالفقرات المتعلقة بقومية المعركة، بدءا بتغيير اسمه من ميثاق قومي الى ميثاق وطني، وشطبت الفقرة بداية التي تتعلق بأن هدف المنظمة ليس قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، إلى أن وصلت أخيرا لالغاء الميثاق عمليا وتجاهله. ولكن ما زال هذا الميثاق هو الذي أجمع على الشعب العربي الفلسطيني وأيدته القمة العربية.
يجب أن نذكر هنا كيف كانت القضية الفلسطينية قضية مركزية يتوحد حولها الدول العربية ويختلفون، مع وحدة الشعوب العربية في موقفها نحو التحرير.
القضية الفلسطينية منذ نشأتها قضية عربية في مسيرتها ومصيرها!
فمنذ صدور تصريح بلفور وبداية مقاومته بمقاومة الاستعمار البريطاني الذي تبنى انشاء دولة الصهاينة وكذلك مقاومة الاستيطان الصهيوني في فلسطين، كانت هذه المقاومة عربية بقياداتها وكوادرها، فإلى جانب القيادات الفلسطينية المتمثلة برموزها عبدالقادر الحسيني، عبدالرحيم الحاج محمد وحسن سلامة وإبراهيم أبودية وبهجت أبوغربية وآخرون، إلى جانب هؤلاء نذكر من حماة من سوريا القائد سعيد العاص الذي استشهد على ارض فلسطين عام 1936 وجرح مساعده عبدالقادر الحسيني، وما زال ضريح العاص مزارا في الخضر / منطقة الخليل، ونذكر ابن سوريا عزالدين القسام قائد الثورة المسلحة عام 1936 ومن ثم فوزي القاوقجي اللبناني، ونذكر كايد عبيدات ومحمد الحنيطي من شرق الأردن، ووفق ما لدى الكاتب من معلومات، لم تصدر قيادة فتح، قيادة المنظمة، بيانات عن أعداد الشباب العربي الذين انضموا لقيادات العمل الفدائي وشهدائهم بعد حرب العام 1967، قيادات وعناصر ومن جميع الأقطار العربية مشرقها ومغربها. ويجدر الذكر أن محطات الصراع الكبيرة مع العدو الصهيوني حربا او سلما كانت بقرارات وحروب عربية إسرائيلية، ابتداءً بنداء الملوك والرؤساء العرب عام 1936 لإيقاف الثورة وكما جاء بالبيان “اعتمادا على حسن نوايا صديقتنا بريطانيا ورغبتها بتحقيق العدل!” أو حرب عام 1948 التي شارك بها سبعة جيوش عربية أو حرب عام 1967 ضد ثلاث دول عربية وحرب عام 1973 التي قادها حكومتا مصر وسوريا وبدعم عسكري ومالي من دول عربية أخرى، بل ان فلسطنة الصراع تمت ضمن سياسات وتوجيهات لدول عربية، والاعتراف بالعدو والتصالح معه بدأ بدولة عربية كبرى هي مصر، وتم تعريبة عام 1982 بمبادرة من المملكة العربية السعودية والتي أكدتها مرة أخرى عام 2002، وأقرتهما قمم عربية.
فستظل الدول العربية صاحبة القرار سلبا أو ايجابا مباشرة أو من خلال قيادات فلسطينية تختارها وتدعمها.
عام 1974، اعلان رسمي للفلسطنة
قيادات فلسطينية وعربية ودولية
في هذا العام، كان اعلان فلسطنة الصراع مع العدو، ففلسطينيا تم اعتماد ما سمي بالبرنامج المرحلي، برنامج النقاط العشر.. في 8/6/1974، أقر المجلس الوطني الفلسطيني هذا البرنامج وإحدى نقاطه العشر:
المادة 4: ان أي خطوة تحريرية تتم هي لمتابعة تحقيق استراتيجية منظمة التحرير في اقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية.
ومنها المادة 2 : تناضل المنظمة بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية واقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على أي جزء من الارض الفلسطينية التي يتم تحريرها.. ولاحقا حذفت المقاتلة من قاموس المنظمة.
ومع هذا البرنامج صدر قرار القمة العربية في الرباط في تشرين أول 1974.. حق الشعب الفلسطيني باقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على أية ارض فلسطينية يتم تحريرها.
وبهذا البرنامج ايضا تم فلسطنة الصراع دوليا فدعيت في نفس العام منظمة التحرير الى حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفتها ممثل للشعب الفلسطيني وذهب عرفات للأمم المتحدة يلقي خطابه.
ان فلسطنة الصراع مع العدو الصهيوني لم تقتصر على حركة فتح وان هي قادته فلسطينيا، ولكن حركة القوميين العرب ألغت عمليا وجودها كحركة عربية لتصبح فصيلا فلسطينيا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
بل ذهب الاخوان المسلمون في فلسطين، باتجاه الفلسطنة وبدأوا يتحدثوا عن دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، ونحو الاعتراف (باسرائيل) اذا وافقت أغلبية الشعب الفلسطيني على ذلك!! فالقرار بالتعامل مع الكيان الصهيوني اصبح قرارا فلسطينيا حتى لمنظمات قومية واسلامية، بل ان حركة حماس تطالب منذ سنوات بالوحدة مع حركة فتح والمنظمات الفلسطينية الأخرى وبقيادة محمود عباس موقع اتفاقية أوسلو والمنسق الأمني مع العدو المحتل.
حزبا البعث في العراق وسوريا شكلا تنظيمين فلسطينيين ولم يشكلا تنظيمين قوميين للتحرير. ليست مواقف الفلسطنة جميعها سواء، فمنها ما هو تآمر واضح على التحرير، ومنها ما رأى فيه دعما للمقاومين الفلسطينيين ومنها من رأى فيه إشغالا للعدو وإبقاء الصراع مشتعلا في طريق التحرير، ومنها خطأ كبير في الرؤية! الفلسطنة المدانة هي التي تم الحديث عنها أعلاه.. مؤامرة لأنظمة عربية ودولية نفذتها قيادة فلسطينية باتفاقية أوسلو لإغلاق ملف التحرير تحت عنوان الهوية والدولة الفلسطينية.
قضية فلسطين بحاجة لجهد قومي على المستوى الشعبي، بعيدا عن متاهات الفلسطنة، كقيام مؤتمرات وندوات ونشاطات تخص قضية فلسطين في الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة وغيرها مقتصرة على ابناء عرب فلسطين وإن دعي آخرون من بلاد عربية أخرى فمراقبون او ضيوف!!
محاربة الفلسطنة واجب على كل عربي قومي لأنه بذلك يدافع عن فلسطين وعن عروبتها وعن أمته العربية في وجه التآمر الاستعماري الصهيوني على الوطن العربي على أمنه بل على وجوده واستمرار تجزئته وضعف دوله وتبعيتها وفق ذلك.