بقلم - منى بوسمرة
اليوم مناسبة غير عادية، في سيرة «البيان»، فهو ذكرى التأسيس قبل أربعين عاماً، اليوم نعبر إلى عقد جديد، زمني ومهني، نبنيه على ما تأسس وتكرس طيلة أربعة عقود، ليكبر الإنجاز ويصبح أكثر علواً، وسط تنافسية عشقتها «البيان» مع البدايات، وحولتها إلى طاقة إيجابية، فهي خبزها اليومي الذي يجعلها أكثر عطاء وحيوية.
نبدأ عاماً جديداً، مجددين العهد بالانحياز للحقيقة والقضايا الوطنية والقومية والإنسانية، محافظين على استقلالية التوجه والنهج، وسط تقاطعات المناخات الإقليمية المعقدة وتجاذباتها، محتكمين بذلك إلى البوصلة التي تحكم اتجاهنا ثابتة على الهدف، ببناء علاقة تبادلية دائمة ومتزنة مع القارئ، تحكمها الثقة والمصداقية، ننقل صوته، ونعالج قضاياه بموضوعية، لا تحامل فيها ولا مجاملة، بل السير معاً نحو الأفضل كهدف وطني.
اليوم، في ذكرى التأسيس، نستذكر البدايات ومخاضها، وكيف أراد الوالد الراحل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، أن تنمو هذه الشجرة المثمرة وتكبر، لتكون بظلالها شاهداً على نهضة دبي، ومواكبة لها، فاختياره مكان مقر «البيان» الذي ما زالت تثمر فيه، في عام 1980 حيث كان المكان صحراء جرداء، جسد رؤيته المبكرة لمستقبل دبي، فكان المكان أول مانشت كتبته «البيان» بدلالة رمزية، نصه يزين اليوم واجهات الأبراج والمنشآت التي تحيط بالمكان، فأي عابر منه يقرأ مانشتها الأول «طموح دبي إعجازي»، كمهمة لا تحيد عنها، فمن هنا حيث نحن نرصد منذ أربعين عاماً الطموح، وهو يتجلى نهضة كما أرادها راشد، تبناها خلفه محمد بن راشد الذي جعل طموح دبي بل كل الإمارات بلا حدود، مانحاً «البيان» بتلك الرؤية المتجددة شحنة من الطاقة الدائمة لمواكبة الأهداف، ولتكون شاهداً أميناً على النهضة الوطنية، وتاريخاً مطبوعاً في ذاكرة الوطن.
في هذه المناسبة، نستذكر أيضاً جيل المؤسسين، الذين رحل بعضهم عنا، ومن حقهم علينا، أن نستحضر جهودهم التي ما زالت تسكن المكان، وخصوصاً الشيخ حشر المكتوم الذي قاد فريق التأسيس، ثم الجيل الثاني بقيادة خالد محمد أحمد الذي سانده فريق من الكفاءات الوطنية، قبل أن يتولى دفة القيادة ظاعن شاهين.
في سيرة «البيان» روايات وحكايات، فيها الكثير من النجاحات والصعوبات، لا مكان لسردها أو مناقشة تفاصيلها، ولكن للتأكيد على قيم العمل اليومية الإيجابية التي رافقت المسيرة، طيلة أربعة عقود تستهدي بها بحثاً عن الحقيقة والانحياز لها، بمرونة تتكيف مع الواقع وروح العصر والمتغيرات، وعبر تطوير المحتوى إلى حزم معرفية تتجاوز الخبر والتحليل، لتستخرج منهما قصصاً وزاداً يومياً يلبي شغف القراء وأذواقهم، كل صباح، قبل أن تتطور خدماتها بالتقنيات الحديثة إلى تنويعات معرفية كل لحظة.
بالتأكيد المشوار لم يكن سهلاً، بل مليئاً بالتحديات، ولولا المواهب الوطنية التي تعاقبت على إدارة «البيان» وفريق العمل الوطني والعربي، الذي انصهر من البدايات، وحتى اليوم، بفكره وعمله مع روح المكان وقيمه، فتغلب على العقبات وكانت النتائج أكثر من التوقعات، ما جعل الطموح دائماً أكبر، وجعل التطوير ضرورة وحالة دائمة تواكب العصر والمتغيرات، وعلى مدى أربعين عاماً، تعلمنا فيها ومنها الكثير، غدت «البيان» من غير ادعاء مدرسة تخرج منها كثير من القيادات الإعلامية المحلية والعربية، فكانت باباً مشرعاً للكفاءات المحلية بالتدريب والتأهيل والفرص الذهبية لكثير منهم، وبعضهم اليوم أسماء إعلامية لامعة في مهنة المتاعب.
من التأسيس وإلى اليوم، تحتل معالجات الشأن المحلي أولوية في رؤية «البيان» باعتبارها شريكاً ومساهماً في فصول التطور وشاهداً عليه في نفس الوقت، لكنها كانت وما زالت في عمق الشأن الاقتصادي والسياسي والرياضي، عبر إصدار ملاحق يومية أو متخصصة في مناسبات تفرضها الأحداث المحلية والعالمية، وهي قريبة أيضاً إلى حد التمازج من قضايا أمتها العربية والقضايا الإنسانية عبر شبكة مراسلين ينتشرون في العواصم، ينقلون الواقع كما هو بلا تزييف أو مبالغة أو مجاملة، فاكتسبت ثقة القارئ والمسؤول، فلم تكن مجرد ناقل للخبر، بل هي مصدر وصانع ومحلل له أيضاً، ومؤثر إيجابي في محيطها المحلي والإقليمي، ومبشرة بالحياة والإبداع والمستقبل الأفضل.
أقسام متعددة تعمل بروح الفريق بين جدران المكان، حتى وإن تباعدت في زمن جائحة فيروس «كورونا» العالمية، فبفضل بنيتها التكنولوجية بقيت نفس الروحية سائدة في فضاء «البيان»، في سباق ممتع ومتعب مع الزمن والمنافسين لتخدم القارئ أولاً ودائماً، مع الحرص على الدقة والموضوعية وتحري الصدق في كل ما تقدمه، ولم يغب عن بال «البيان» يوماً أن مهمتها ليست إخبارية فقط، بل معرفية، وأن من مسؤولياتها إثراء المشهد الثقافي، فبادرت إلى إصدار الملاحق المتخصصة، والكتب العلمية والفنية والأدبية، وكانت «البيان» منذ التأسيس حريصة على مواكبة التطورات التكنولوجية في عالم الصحافة، فكانت أول الصحف العربية التي تستخدم كل حديث في هذا المجال، وكانت من أوائل الصحف العربية التي تجاوزت تحديات الإعلام الرقمي حين اقتحمته مبكراً على مختلف المنصات، تطويراً للمنتج وتعميماً للمعرفة والوصول إلى أكبر عدد من القراء وتلبية رغباتهم والتفاعل معهم، فاستقطبت ملايين المتابعين عبر العالم، بجهد متواصل على مدار الساعة، في قصة طموح ما زالت تتوالى فصولاً كل لحظة.