دبلوماسية التوبيخ لقادة بلد ينازع

دبلوماسية التوبيخ لقادة بلد ينازع؟

دبلوماسية التوبيخ لقادة بلد ينازع؟

 العرب اليوم -

دبلوماسية التوبيخ لقادة بلد ينازع

بقلم - راجح الخوري

ليس واضحاً لماذا اختار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن يعلن أن لبنان آخر بلد يزوره هذه السنة، وهو ما قد يدفع إلى التساؤل: هل هي زيارة لإلقاء النظرة الأخيرة على بلد ينازع، بعدما كان شريكاً فاعلاً في إنشاء منظمة الأمم المتحدة، أو كان، كما أشار في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، من أن الكثيرين يعتقدون أن لشبونة عاصمة البرتغال تأسست على أيدي الفينيقيين، بما قد يعني ضمناً أن أحفادهم اللبنانيين ضيعوا الطريق، ويعكفون على تدمير لبنان، «الذي يواجه وضعاً يفطر قلبي» لكن غوتيريش يعرف جيداً المأساة التي تضرب لبنان واللبنانيين، وأن لا شيء يفطر قلب أحد من المنظومة السياسية الفاسدة، التي تواصل تدمير لبنان، بعدما أوصلته إلى جهنم، ولهذا كان مفهوماً تماماً لماذا اختار لزيارته خطاباً يقوم على ما يمكن اعتباره «دبلوماسية التوبيخ والإدانة»، فمنذ اللحظة الأولى لهبوطه في مطار بيروت تعمد القول: «أنا هنا اليوم للتضامن مع الشعب اللبناني»، ومن الواضح أن اختياره هذا العنوان لزيارته، ينطوي ضمناً على تأييد صريح لموقف هذا الشعب في إدانته المنظومة السياسية الفاسدة التي خربت لبنان، وجعلت صندوق النقد الدولي يعلن قبل أشهر أنه سجل أسوأ انهيار منذ مائتي عام، فلم يستيقظ واحد من المسؤولين الغارقين في صراعاتهم لاقتسام آخر ذرة من قالب الجبنة!

كانت الإدانة واضحة تماماً وتكرست ضمناً، عندما وقف غوتيريش مع الرئيس ميشال عون، في المؤتمر الصحافي الذي عُقد بعد محادثاتهما في القصر الجمهوري، ليكرر بالحرف: «أبلغت الرئيس أنني أتيت ومعي رسالة واحدة بسيطة، وهي أن الأمم المتحدة تقف متضامنة مع الشعب اللبناني، وسألتقي قادة المجتمع لمناقشة كيفية تقديم المساعدة الأفضل للشعب، ليتغلب على الأزمة الاقتصادية والمالية»، وكان من الطبيعي والواضح جداً أن هذا يعني أن تضامن الأمم المتحدة مع الشعب اللبناني يعني تضامنها مع ثورة هذا الشعب على منظومة الفساد والنهب والتخريب، ودعوته إلى «قبع» كل هذه المنظومة عندما يرفع شعار «كلن يعني كلن» لم يتوقف غوتيريش عند هذا، لكنه ساق إدانة صريحة لهذه المنظومة السياسية الفاسدة: «إن لبنان يواجه مرحلة صعبة للغاية، وأنا أحث القادة اللبنانيين على أن يستَحقوا شعبهم»، بما يعني أن هؤلاء لا يستحقون أن يكونوا لا قادة ولا مسؤولين، عندما لا يستحقون هذا الشعب الذي دفعوه إلى البؤس وفي تشديده على ضرورة دعم الجيش والقوى الأمنية، وإشارته إلى إنشاء الصندوق الأممي لتأمين المساعدة المالية لهذا الغرض، الذي سيكون بإشراف مباشر من الأمم المتحدة، ومن دون المرور بدهاليز الدولة ومغاورها، وهو ما بحثه مع قائد الجيش العماد جوزيف عون، بدا غوتيريش كمن يضع الأسس لمعادلة ثلاثية أممية تصحيحية تقوم على معادلة «الجيش والشعب والقوى الأمنية».

لقد سمع الأمين العام من كل القيادات التي التقاها مدى حاجة لبنان إلى المساعدات المالية والإغاثية العاجلة، لمواجهة الانهيار المتدحرج الذي يضرب في كل قطاعته الإنتاجية والشعبية، ولكنه لم يخرج عن السياق المفهوم الذي سبق أن سمعه هؤلاء من كل المسؤولين الدوليين الذين يزورون لبنان منذ أعوام، وهو «ساعدوا أنفسكم لنساعدكم»، فالمطلوب الآن نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على «خطة التعافي» التي اختلف المسؤولون عامين على تحديد رقم موحد لها، ليتفقوا أخيراً على أن العجز هو 69 مليار دولار، وليس خافياً هنا أن هذا كان نتيجة الفساد المتوحش في القطاع العام الذي أكل القطاع الخاص ونهب الدولة، والمطلوب الآن الالتزام بسلم الإصلاحات المطلوبة ووقف الهدر ومحاربة جادة للفساد، خصوصاً عندما يعترف عون «بأن السياسيين هم حماة الفساد»، ولهذا فإن الانتخابات النيابية تشكل مدخلاً حاسماً للتغيير، ويجب أن تجري في مواعيدها، وفي ضوء النتائج يمكن أن ترسم خريطة المساعدات وعلى أي أساس.

قبل ظهر يوم الاثنين نزل غوتيريش إلى حيث لم يجرؤ مسؤول في دولة المساخر أن ينزل، كان المنظر مهيباً جداً، وكانت الرسالة مؤثرة جداً، كان المطر ينهمر كسيل، وكان الهواء نواح أم فقدت ابنها للتو، كان ذلك في المرفأ المنكوب الذي دمره انفجار العصر في الرابع من أغسطس (آب) من العام الماضي، ولم ينزل إليه مسؤول ليتفقد الهول في مسرح الجريمة المروعة… فعلاً كان المنظر مهيباً ومحترماً ومؤثراً، عندما وضع الأمين العام للأمم المتحدة إكيلاً من الزهور في مكان الكارثة، ووقف تحت المطر رافضاً حتى أن تقيه مظلة دموع السماء الغزيرة التي بللت ثيابه وشعره، بينما كان حوله مرافقوه تحت المظلات، وقف محنياً رأسه لدقيقة صمت على روح شهداء المرفأ ونصف المدينة المنكوبة، ربما كانت السماء تبكي عنه ومعه هناك، في وقت كانت المنظومة السياسية الفاسدة تطبخ في كواليسها تلك الصفقة الساقطة، التي تهدف إلى ردم الحقيقة وراء الجريمة تحت الحطام في المرفأ، وإغراق ما تبقى من رميم الدولة المسخرة في البحر.

تحية لشرفك أيها البرتغالي الدولي، الذي قلت لمن لا قلوب لهم، ينفطر قلبي أن أرى لبنان في الوضع الراهن، وينفطر قلبي أن أرى الشعب اللبناني في هذه الحال، وإنني أعتقد أن لبنان يحتاج إلى تحولين جوهريين: إصلاحات عميقة، وأيضاً أن يتمكن زعماؤه السياسيون من الاجتماع سوية، لأنه لا يحق لهم الانقسام عند مشاهدة معاناة الشعب اللبناني ولكنهم كانوا يا سيدي يجتمعون في الكواليس، لا لأنهم يعملون لكي يكون لبنان بلا فساد، وأن يكون بلد مساءلة كاملة كما قلت، بل لأنهم كانوا يعملون على «الصفقة» التي زعموا أنها «تسوية» على سبيل التعمية الرخيصة طبعاً، وقد كانت تنص على تطيير حق المغتربين في الاقتراع لـ128 نائباً وحصره بـ6 نواب في الدائرة الـ16، عبر قرار يتخذه المجلس الدستوري بقبول الطعن المقدم أمامه من التيار الوطني الحر، لتسمح «الثنائية الشيعية» بعقد مجلس الوزراء فيقرر سلة تعيينات قضائية ومالية، بحيث تفضي إلى تطيير المحقق العدلي في جريمة المرفأ طارق البيطار، وربما تطيير رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الذي يعارض تدخل السياسة في السلطة القضائية، في مقابل موافقة نواب التيار الوطني على التويت لتشكيل مجلس النواب الهيئة الوطنية لمحاكمة الوزراء والنواب.

لكن الصفقة سقطت بعدما لم يتوصل المجلس الدستوري إلى الاتفاق على قرار، ما دفع عون إلى الإسراع في اعتبار أن اللاقرار «سقطة»، وهو ما كان أعلنه للتو رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب، قائلاً: «يحسبونني على عون لأنه رشحني لهذا المنصب»، ومع سقوط الصفقة يندفع الوضع الآن نحو مزيد من التأزم، ما يخلق مخاوف جادة من افتعال أحداث لتأجيل أو إلغاء الانتخابات النيابية، التي شدد غوتيريش على إجرائها كمدخل إلى المساعدات الدولية والتفاهم مع صندوق النقد الدولي!الأمين العام للأمم المتحدة قال في مقابلته مع «الشرق الأوسط»، إن على «حزب الله» أن يصير حزباً سياسياً كغيره من الأحزاب في لبنان، والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك هي بتقوية المؤسسات اللبنانية، وعندما يكون لديك فيل في الغرفة، فإن أفضل ما يمكنك القيام به هو توسعة الغرفة لكي لا يتحول الفيل مشكلة، ولكن ماذا بقي من مؤسسات لتقويتها في لبنان، بعد تعطيل السلطة التنفيذية وشل السلطة القضائية وبعدما صار الحزب دويلة تحكم الدولة اللبنانية، فكيف يمكن توسيع الغرفة، خصوصاً أنها من خزف محطم أو قيد التحطيم؟

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبلوماسية التوبيخ لقادة بلد ينازع دبلوماسية التوبيخ لقادة بلد ينازع



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:27 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطالب بإنهاء الصراع الإسرائيلي اللبناني
 العرب اليوم - ترامب يطالب بإنهاء الصراع الإسرائيلي اللبناني

GMT 20:38 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبدالوهاب تكشف عن شروطها لتعود إلى التمثيل
 العرب اليوم - شيرين عبدالوهاب تكشف عن شروطها لتعود إلى التمثيل

GMT 04:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان
 العرب اليوم - غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان

GMT 03:26 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 17:43 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تكشف عن طريقة خروجها من الكآبة

GMT 03:47 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش الاحتلال يعلن إسقاط طائرة مسيرة قادمة من لبنان

GMT 00:13 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرة مجهولة المصدر تسقط في الأراضي الأردنية

GMT 00:06 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية جديدة على النبطية في لبنان

GMT 02:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات إسبانيا إلى 158

GMT 03:40 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لضحايا إعصار دانا في إسبانيا

GMT 01:37 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية

GMT 03:30 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ميسي يثير الغموض حول مشاركته في كأس العالم 2026

GMT 08:15 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يكشف سبب حذف أغانيه

GMT 20:15 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتخاب محمود المشهداني رئيسا للبرلمان العراقي

GMT 00:00 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

يوسف الشريف يتحدث عن عقدته بسبب يوسف شاهين

GMT 07:57 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نتائج "مايكروسوفت" و"ميتا" تهبط بأسهم "ناسداك" 2.8%
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab