الاتفاق السعودي الإيراني والإقليمية الجديدة

الاتفاق السعودي الإيراني والإقليمية الجديدة

الاتفاق السعودي الإيراني والإقليمية الجديدة

 العرب اليوم -

الاتفاق السعودي الإيراني والإقليمية الجديدة

عبد المنعم سعيد
بقلم -عبد المنعم سعيد

وقت نشر هذا المقال سوف يكون أسبوعان قد مضيا منذ توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، وخلالهما لم تتوقف تصريحات السياسيين، والكتابات والتعليقات والتحليلات من قبل المراقبين. لم تكن غائبةً عن أحد الأهمية التاريخية والاستراتيجية لطرفي الاتفاق (السعودية وإيران)، وكلاهما يساهم بكثير في أقدار العالم والمنطقة، سواء في التاريخ القديم أو الحديث. لكن العراقة ليست قضيتنا، على الأقل في هذا المقال، فما يهمنا هو كيف تكون خطوة تاريخية بمثل هذا الحجم دافعة للواقع في منطقة الشرق الأوسط التي عانت طوال العقود الماضية من تطورات سلبية مؤسفة، أو هكذا بدت بعد ثورات وتجارب وحدوية وانفصالية وحروب أهلية.
خلال العقد الأخير، بدت بارقة أمل، تجسدت أولاً في تعضيض وجود الدولة الوطنية في عدد من الدول العربية، بإعادة الاعتبار لماضيها وأصولها التأسيسية؛ وثانياً السعي للتنمية بخطوات منظمة غير مسبوقة ومستمرة وساعية بقوة للاستدامة؛ وثالثاً احتضان العصر بأبعاده التنموية والحضارية والتكنولوجية والاستفادة من حقيقة تميز «القادمون الجدد» في اللحاق بعالم بات متغيراً كل يوم، ومرتقياً كل ساعة إلى آفاق لم تعرفها البشرية من قبل.
جملة ما قيل هو السعي الإصلاحي لداخل دول عربية، أعياها التخلف عن المسيرة العالمية، ولم يكن ممكناً أن يستبعد منها ضرورة وجود «إقليمية جديدة» تتخلص من الآيديولوجيات والمنافسات العقيمة. ولعل ميلاد هذه المسيرة قد جرى أثناء انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي عندما صدر «بيان العلا» الداعي إلى السعي نحو «التهدئة» وتخفيف حدة التوتر داخل المنطقة من خلال الحديث المباشر، والتفاوض حول المسائل المعلقة حتى يمكن استعادة علاقات تقوم على مصالح دائمة، ومن بينها إدارة الخلافات بين الدول. اختيار «العلا» للقمة والبيان لم يكن من قبيل الصدفة، فقد كانت الإشارة إلى واحدة من زهرات الإصلاح السعودي الهامة في شمال غربي المملكة حيث التماس مع الشام ومن ورائها البحر المتوسط، والنظر عبر خليج العقبة، ومن ورائه البحر الأحمر وقناة السويس ومصر.
ما حدث بعد بيان العلا في 5 يناير (كانون الثاني) 2021 بات معلوماً الآن، ويظهر من اختفاء أخبار تحالفات جرت، ومن بعدها مباحثات ولقاءات، بعضها كان تعميقاً لما فات من اتفاقيات إقليمية، وما جرى استحداثه من جسور وطرق. واحدة من هذه النتائج كانت المفاوضات السعودية الإيرانية التي مهدت لها وساندتها العراق الذي يتحسس طريقه هو الآخر نحو الإصلاح والخروج من فترة دامية في تاريخه. عُمان كانت في مكانها المرصود من الدبلوماسية والوساطة في جنوب شرقي الجزيرة العربية حيث الجوار مع دولة الإمارات الفتية وإيران الثورية في ناحية، واليمن والمحيط الهندي في ناحية أخرى. الشائع في الكتابات هو أن الصين حلت إلى المسرح التفاوضي لكي تنجز الاتفاق، وعلى مدى عامين ورغم الجهد الدبلوماسي الفائق، فإنه حسب ما صرح وقتها، لم يقد الحوار إلى شيء. والحقيقة أن ذلك لم يكن دقيقاً فأحياناً قد لا تنجح المفاوضات، ولكنها على الأقل تضع جدولاً بالقضايا المختلف عليها، ورؤية كل طرف لها، والأهم من ذلك كله تعريف كل طرف لمصالحه القومية الدقيقة التي طرفها ما لا يمكن التنازل عنه، وطرفها الآخر ما يكون فيه الأخذ والعطاء.
وكانت هذه هي اللحظة الذهبية التي عندها جاءت اليد الصينية الساحرة في لحظة ممتلئة بإثارات الحرب الأوكرانية، ومعها مبادرة السلام الصينية التي لا يوجد غيرها على طاولة العالم السياسية. وقبل شهور وخلال قمم عقدت في الرياض كان واضحاً أن الصين والسعودية باتتا على وفاق سياسي ومعه مصالح استراتيجية متوافقة قوامها النفط السعودي والمشاركة في أكبر عملية استثمار إصلاحي عرفتها الجزيرة العربية في التاريخ المعاصر. إيران هي الأخرى عقدت توافقاً مع الصين لا يقل أهمية فتقوم الثانية بإعفاء الأولى من آثار العقوبات الأميركية؛ وتقوم الأولى بإمداد الثانية بالنفط بعقود ميسرة مع فرص استثمارية إيرانية. اللحمة الصينية على الجانبين السعودي والإيراني سمحت للصين بإقناع كل طرف أن هناك ما يكفي وفق الظروف السائدة في العالم، أنه من الممكن تحقيق مصالحه الرئيسية، وفوقها تحقيق عدد من المنافع، ودفع عدد من الأخطار، وتجاوز كثير من المزالق الخطيرة.
دخول الصين على هذا المنوال جعل الاتفاق من حيث الاهتمام الإعلامي ظاهرة عالمية، في وقت بدا فيه أن القوى العالمية الثلاث (الولايات المتحدة وروسيا والصين) متداخلة بالفائدة أو بالأسف فيما تحقق نتيجة الوجود والمصالح المتنافسة المعروفة على المستويين العالمي والإقليمي. ولكن ما يهمنا هنا هو أن الاتفاق مثل خطوة كبيرة في بناء «الإقليمية الجديدة» في الشرق الأوسط الساعية إلى الإصلاح والتنمية والأمن الإقليمي في آن واحد، في لحظة يبدو فيها العالم أكثر اضطراباً من أي وقت مضي. الاتفاق خلق إضافة في التهدئة والتفاوض من ناحية، وفتح الأبواب لحل كثير من المعضلات الكبرى، ربما كان أهمها أنها كسرت حواجز كثيرة مع دولة إقليمية كبرى مثل إيران، التي إذا أضيفت إلى ما حدث مع تركيا تأخذ الإقليم كله إلى آفاق إيجابية بعيدة. وفي بعض الأحيان، فإن المصادفات التاريخية تلعب دوراً غير قليل، فرغم الخسائر الجبارة التي نجمت عن الزلازل في الجوار التركي السوري، فإن الدول العربية قفزت بمحركات إنسانية عميقة نحو تقديم العون والنجدة من الجو والبحر، وحتى ساعة كتابة هذا المقال كان الجسر الجوي السعودي لا يزال مستمراً؛ ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر، فإن القاهرة استفادت كثيراً من خبراتها في الإغاثة والنجدة. ثورة الطبيعة كثيراً ما تخفض حجم ومدى خلافات الدول والبشر.
باختصار، أصبح الاتفاق السعودي الإيراني لبنة إضافية لما جرى في الإقليم الشرق أوسطي من قبل في شكل اتفاقيات للسلام، إبراهيمية كانت أم لم تكن، والتعاون التنموي المتعلق بالنفط والغاز في منتدى شرق البحر المتوسط، أو ذلك المستفيد من التماس الجغرافي والتوافق «الجيوسياسي». الاتفاق من جانب آخر يفتح أبواباً لحل معضلات مستعصية، يقع في مقدمتها «الأزمة اليمنية» بجوانبها المعقدة التي هددت الأمن القومي لدول عربية، وساهمت في قسمة غير نبيلة بين المسلمين سنة وشيعة، وجعلت من «الهلال الخصيب» قليل الخضرة والنماء، ومرتعاً للتطرف والإرهاب. المؤكد أن كل ذلك يشير إلى أن طريق «الإقليمية الجديدة» لا يزال طويلاً، والاختبارات كثيرة، ولكن السؤال المهم هو عما إذا كانت هذه التطورات المثيرة كافية لتحقيق الكتلة الحرجة التي تحقق السلام والأمن الإقليمي بين العرب وجيرانهم أم لا، مثل ذلك ليس عنوانه كاتباً أو محللاً، وإنما هو من صميم عمل الساسة، وإذا كانت دول عربية تعيش لحظة نهضة استثنائية تتطلع إلى أن تكون منطقتنا ممثلة لأوروبا الجديدة في تاريخ العالم، فإن هناك كثيراً من الساسة سوف يطل علينا باحثاً عن دور ورسالة، ربما يكون الغموض بشأنهما من الأمور البناءة!

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتفاق السعودي الإيراني والإقليمية الجديدة الاتفاق السعودي الإيراني والإقليمية الجديدة



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab