الطريق إلى سنغافورة

الطريق إلى سنغافورة

الطريق إلى سنغافورة

 العرب اليوم -

الطريق إلى سنغافورة

بقلم - عبد المنعم سعيد

كان هناك الكثير من الدهشة عندما بدأت مشاهدة أحداث كأس العالم في قطر قبل عامين. لم تكن هذه هي الدوحة المتلألئة بالأضواء والمفعمة بالطاقة والمختلفة عن تلك التي هبطت بها فجراً قبل أكثر من ثلاثة عقود قادماً من القاهرة للعمل مستشاراً سياسياً بالديوان الأميري. كان العراق قد احتل الكويت، وفي غمرة الأحداث الكبرى باتت قطر واحدة من أطراف التحالف الدولي لتحرير الكويت، ووقع عليها عبء التعامل مع أحداث عالمية معقدة؛ فطلبت القيادة القطرية من الرئيس حسني مبارك إمدادها بمستشارَين: سياسي وعسكري؛ وكنت الأول الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية؛ أما الآخر فقد كان اللواء فؤاد هويدي، نائب رئيس المخابرات الحربية المصرية خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) والرجل الذي شارك في مفاوضات معقدة. لم يكن الزمن أو العمل وحده هو التجربة المثيرة، وإنما العيش في دولة خليجية للمرة الأولى في دولة عربية تختلف كثيراً عن مصر. وقتها كان عدد سكان قطر لا يزيد على نصف مليون نسمة، منهم 120 ألفاً من القطريين، ومن بينهم 70 ألفاً يقال عنهم قطريون «حصي» أي من عميق البيئة القطرية. كيف يمكن لدولة بهذا العدد، ومساحتها 12 ألف كيلومتر مربع أن تقوم بدورها في معركة مصيرية كانت هي المسألة. أدب العلوم السياسية فيه فصل عن الدول الصغيرة الحجم، وفي ذلك الوقت كانت هناك 60 دولة لديها أقل من مساحة قطر، ومن عدد سكانها. كان ذلك هو الوقت الذي سمعت فيه عن «التجربة الإماراتية» في التنمية المختلفة وبناء الدولة الوطنية عن بقية دول الخليج؛ وفي المجالس القطرية كانت المقارنات مستمرة ما بين الحالة الساكنة والوديعة في الدوحة وتلك الحالة الغالبة بالفوران في الإمارات مع اعتزاز خاص بمدينة دبي؛ والمرشحة في نظر القائلين لتماثل سنغافورة تلك التجربة في جنوب شرق آسيا والتي بدأت في مطلع الستينات تحت قيادة لي كوان يو وفيها قادت الجزيرة الصغيرة حضور «النمور الآسيوية» إلى ذاكرة العالم.

شاءت الأقدار بعد ذلك اقترابي من التجربة الإماراتية بالدراسة والمعايشة، وكان ما شدني إليها أنها أولاً كانت الدولة العربية الفيدرالية الوحيدة التي نجحت في إقامة دولة وطنية متحدة. وقتها كانت «الفيدرالية» أحد الحلول المطروحة لحل معضلات التعددية العرقية والمذهبية في بلدان عربية عدة؛ وكان يُتصوَر أن دولاً مثل السودان والعراق وسوريا وليبيا يمكنها حل تناقضاتها الداخلية بمجرد السير في هذا السبيل الفيدرالي.

ولكن الواقع كان أكثر من ذلك غنى وشجاعة مع واقع ما بعد الاستقلال في دولة كانت تماثل بقية دول الخليج العربية في تركيباتها السياسية، حيث الأسر المؤسسة للتحول من الإمارة إلى الدولة الاقتصادية حيث النفط والغاز، والثقافية حيث المحافظة والتقليد. في الإمارات بدت هذه السمات أخّاذة فإنه كان ممكناً معها أن يجري الاتحاد بين سبع إمارات تلاقت قياداتها على أن تشكل دولة عربية اتحادية تحتفل سنوياً بمرور أكثر من نصف قرن على قيامها. ولم يكن هذا القيام سهلاً، في مباحثات الاتحاد كان بين تسع إمارات وليس بين سبع، ولكن قطر والبحرين لم تستمرا في الطريق، أما السبع فكان لديهم من الصبر والحكمة ما يكفي لإنجاز مشروع تاريخي.

المشروع بدأ تقليدياً خليجياً ولكن الآباء المؤسسين كانت لديهم إرادة أن تكون الدولة الجديدة مختلفة أشعلها جيل جديد وشاب بلغ في تسعينات القرن الماضي مكانة المشاركة السياسية فعرف أولاً أن يجعل الاتحاد طموحاً بمشروع كبير للتغيير والنماء؛ وثانياً مرناً إلى الدرجة التي تشعر فيها كل إمارة بأنها داخل المشروع بينما تحتفظ بما يكفي ما هو خاص؛ وثالثاً أن التحديات التي يواجهها الاتحاد لا بد من مواجهتها بفكر ورؤى تقدمية وجديدة. أولى هذه الأفكار الكبرى كانت تجاه التاريخ الذي في العادة يعطي عمقاً للدولة، ويخلق بين سكانها مزيجاً من الولاء والنخوة والشموخ. ولكن في الإمارات فإن التاريخ هو في الأول والآخر زمن، وإذا كان الماضي العربي يمثل تراثاً مشتركاً للدول العربية، فإن المستقبل، أي الزمن القادم، هو التاريخ الخاص بالدولة الإماراتية. وكان ذلك هو ما حدث في البناء والعمران، والعشق لما هو «أول» سواء كان برجاً أو متحفاً أو مشروعاً تنموياً تستخدم فيه الطاقة الشمسية في بلاد نفطية؛ أو السير بمسبار إلى كوكب المريخ بعد قيام إماراتي بزيارة خاصة إلى المحطة الفضائية الكونية.

وثانية هذه الأفكار الكبرى كانت التعامل مع التنوع، وليس سراً فإن الكثير من الدول العربية وغيرها تحول ذلك إلى مأساة دموية، ولكن في الإمارات كان الاحتفال به جزءاً من عملية إنشاء الدولة الوطنية. تحرير المرأة بالمشاركة والمقام كان خطوة تقدمية؛ ولكن التعامل مع أوضاع تجعل الأكثرية المشاركة في البناء قادمة من قوميات ولغات وأديان مختلفة جزءاً من هوية الدولة، ومحط كبريائها المتنوع. مشروع «الأخوة الإنسانية» الذي ضم بابا روما وشيخ الأزهر والوثيقة التي تقرب الانقسام الأعظم في العالم يعدّان من السمات عالية السمو التي لا تستنكف بعد ذلك لا من إقامة المعبد الهندوسي، ولا أن تسير في مسيرة للسلام الإبراهيمي. ولا شيء يجسد الهوية والدولة الوطنية الإماراتية قدر وزارتي التسامح والسعادة اللتين تجمعان ما بين دوام الاقتراب من الآخر، والسعي نحو الحد الأقصى من الرضا في المجتمع. كانت الإمارات تقترب وتتفوق على نموذج «سنغافورة» في التعايش ما بين الأعراق الصينية الكونفوشيوسية والهندية الهندوسية والملايوية الإسلامية.

«التجربة الإماراتية» بأصدائها الخليجية لا يجب أن تشغلنا عن بداية الحديث، حيث الأخطار التي تهدد الدولة في بلدان عربية، وتساهم حالياً في تمزقها. ولأنه بضدها تعرف الأشياء؛ فإن البحث في النجاح والمعرفة يدفعنا إلى «التجربة السعودية».

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريق إلى سنغافورة الطريق إلى سنغافورة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
 العرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة
 العرب اليوم - ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!

GMT 11:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يعبر عن استيائه من إدارة ليفربول ويقترب من الرحيل

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab