المأزق الأخلاقي

المأزق الأخلاقي!

المأزق الأخلاقي!

 العرب اليوم -

المأزق الأخلاقي

بقلم : عبد المنعم سعيد

بعد أكثر من عام على «طوفان الأقصى»، تقلبت أحداث كثيرة عما كان قبلها وما جاء بعدها من حرب فلسطينية إسرائيلية امتدت لتشمل الإقليم الشرق أوسطى كله، موقظة فتنًا، لعنة الله على مَن أيقظها، آخرها إعادة اشتعال الحرب الأهلية السورية.

حسابات كل ذلك كثيرة، ولكنها ليست الموضوع، فهو مخصص لذلك المأزق الأخلاقى الذى وقع فيه الغرب والدول التى دفعت فى اتجاه نظام دولى يقوم على قواعد إنسانية جرى إنشاء قواعدها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى لا تتكرر مآسيها. ولكن المآسى تكررت أثناء الحرب الكورية فى مطلع خمسينيات القرن الماضى؛ والحرب الفيتنامية فى الستينيات والسبعينيات والحروب العربية و«الفلسطينية» طوال كل العقود.

لم تنجُ هذه الحروب من قسوة ومخالفات لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ ولكن حرب غزة الخامسة تملكت بقسوتها وفظاعتها الإسرائيلية المشاعر العربية التى سادها الغضب، والعقول العربية التى تساءلت عن النفاق الغربى والعالمى وازدواجية المعايير الدولية التى تعاطفت مع «المحرقة» النازية؛ ولكنها لم تأبه لما يحدث للفلسطينيين منذ الميلاد حتى الممات، ومنهم الذين تعرضوا للقصف والقتل، و70٪ منهم من النساء والأطفال. «النكبة» كانت حاضرة بصورها وأصواتها وتتابع مشاهدها فى عنف مروع. المأساة هكذا لا تزال قائمة وضرب الكف فوق الكف لا يتوقف عجبًا وحسرة على ما وصل إليه الإنسان.

لم يختلف أحد على أن هناك مأزقًا أخلاقيًّا كبيرًا لا يستطيع أحد أن يتجاهله بعد أن طال دولًا عظمى، ومجتمعات كبرى، حتى بعد أن شهدت شبابها يثور فى الجامعات كما فعل أجدادهم فى حروب سابقة وأدى ذلك إلى الانسحاب وترك المستعمرات وكوريا وفيتنام. هذه المرة فإن إسرائيل لم تتراجع خطوة واحدة.

أحد أسباب الخفوت الذى بدأ يلم بالمأزق الأخلاقى للعالم الغربى أن صورة العنف فى الشرق الأوسط لم تتوقف، وما كان من أجل التخلص من الاستعمار لم يتغير بعد رحيله، فجرت حروب إقليمية بين العراق وإيران استُخدمت فيها الأسلحة الكيماوية، وأحيانًا استُخدمت فى مواجهة مظاهرات شعبية فى سوريا.

المعايير المزدوجة الغربية جرى استدعاؤها للإقليم عندما جرى غض البصر عما حدث لدول عربية شلت مقدراتها أحزاب الممانعة والمقاومة؛ وأحيانًا بلا سبب مفهوم عندما جرى الاغتصاب فى الخرطوم أو النزوح فى سوريا ولبنان والعراق واليمن للملايين من البشر، الذين يسقط منهم آلاف من النساء والأطفال والشيوخ، بعدما سقط الشباب قتلى فى ميدان القتال، حيث كانت نظريات المؤامرة جاهزة لكى تبعد اللوم إلى الخارج؛ وتقرب الإدانة لكل الأطراف الخارجية على ما جرى.

المسؤولية عن نزوح 11 مليون سودانى تذهب إلى كل الأطراف الشريرة ما عدا الفشل السودانى فى إدارة البلاد قبل وبعد ثورة الربيع؛ وما جرى فى الساحة الفلسطينية ينقصه دائمًا ما جرى من انفصال بين غزة والضفة الغربية ووقوع حماس فى إغراءات نتنياهو لتجهيز دولة فلسطينية يحتكر سلطتها حزب واحد، ولا يكتفى بالثلث المعطل الذى حصل عليه حزب الله فى لبنان.

المأزق الأخلاقى والمعايير المزدوجة تصيبنا كما أصابت العالم؛ ونظرة على آخر الكوارث فى سوريا نجد اللوم يذهب إلى أمريكا وإسرائيل ولاشك أن كليهما مستفيد؛ ولكن الواقع هو أن «الربيع السورى» أنهى الحياة السياسية فى سوريا، وتركها مبعثرة وذبيحة بين أقاليم ومناطق احتلال وجماعات يتراوح تطرفهم الدينى ما بين القاعدة وداعش وزينبيون والزنكى، والطائفى بين العرب والأكراد والشيعة والسُّنة وكل ما يرد من ألوان الطيف المتعصب والكاره.

وعلى الطريق ما بين «الربيع» 2011 والخريف فى 2024 هاجر ونزح ملايين من السوريين ما بين دول وثقافات تراوحت قسوتها واستقبالها، وتنوعت حظوظها ما بين الوقوع فى كف الزلازل والإقامة فى الخيام التى تحرقها الشمس ويجمدها برد الشتاء.

«الحوثيون» فى اليمن لم يجدوا مَن يلومهم على إيذاء مصر، التى ذهبت إلى اليمن لكى تقيم حضارة، وتوحد عربًا، فإذا بهم يغلقون الطريق إلى قناة السويس، بينما يوجد مَن يصفق لهم على دفع التجارة الدولية إلى خارج البحر الأحمر. الصمت كان مدويًا فى الحالتين؛ وبينما يجرى لطم الخدود على العالم الجبان التعيس، فإن حسًّا لم يقترب من المصلحة القومية لكى يدافع عنها بأن الطريق إلى تل أبيب لن يكون عن طريق القاهرة.

النمط الحالى كان قائمًا عندما كان الطريق إلى القدس يجرى عبر الكويت؛ وجرى التصفيق للرئيس الذى اعتبر أن رفاقه من القادة العرب أنصاف رجال لأنهم ببساطة كانوا يقومون بما يجب أن يقوم به رجال الدولة، وهو الحفاظ على وحدة شعوبهم ووضعهم على طريق العصر.

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المأزق الأخلاقي المأزق الأخلاقي



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab