تجربة الإصلاح السعودية

تجربة الإصلاح السعودية

تجربة الإصلاح السعودية

 العرب اليوم -

تجربة الإصلاح السعودية

بقلم - عبد المنعم سعيد

حتى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لم توجد دولة عربية قدمت معجزة من أي نوع خلال العصر الحديث، فلم توجد داخل العالم العربي لا يابان، ولا كوريا الجنوبية، ولا أيٍّ من النمور والفهود الدولية التي نعرفها. الدولة العربية الوحيدة التي اقتربت من هذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة التي خلقت من نموذج دبي تجربة نجحت في الاقتراب من نموذج سنغافورة وأن تصبح محط أنظار دول أخرى قريبة وصغيرة مثل قطر تحاول الاقتراب منها. الغالبية العظمى من الدول العربية صارت بعد الاستقلال دول ريعية تعتمد على ريع منتج واحد هو النفط والغاز، أو مثل مصر تعتمد على حزمة صغيرة من المنتجات مثل النفط والسياحة وتحويلات العاملين في الخارج وقناة السويس. واعتماداً على منتج واحد، أو حزمة صغيرة من المنتجات، قام عقد اجتماعي على رعاية الدولة العربية لمواطنيها مقابل القبول بنظم سياسية مركزية في يد فرد أو أسرة أو حزب. وكانت النتيجة توازناً سياسياً واقتصادياً مستقراً عند الحدود الدنيا، فلا هو يؤدي إلى المجاعة التي عرفتها أفريقيا، ولا هو يؤدي إلى الانطلاق والتفوق الذي عرفته آسيا. «الربيع العربي» استفزّ، على كل سوءاته وسط الفوضى ومحاولات هيمنة الجماعات الراديكالية الإسلامية على الدولة العربية، تياراً إصلاحياً نبت وأخذ شكل «رؤية» لإصلاح الدولة، واستراتيجية للوصول بها إلى اللحاق بالعصر الذي تعيش فيه. وهنا فإنه من الضروري أن نُبقي في الذهن أن هناك فارقاً بين «التاريخ» و«الرؤية» و«الاستراتيجية»؛ الأول هو حالة من آلاف إن لم يكن ملايين المتغيرات المادية والمعنوية التي لا يملك الإنسان التحكم فيها؛ والثانية هي جهد إنساني لاستشراف المستقبل والسعي للوصول إليه؛ والثالثة هي خطة لاستخدام وسائط بشرية ومادية للوصول إلى أهداف بعينها في ظل حساب الفرص والمخاطر.

وخلال الأسبوعين الماضيين قدمنا للتجربة المصرية في مقال: «ثورة الإصلاح» 3 أبريل (نيسان) 2024، ثم التجربة الإماراتية في مقال: «الطريق إلى سنغافورة» 10 أبريل 2024، والآن فإن «التجربة السعودية» تقدم نموذجاً آخر. المملكة العربية السعودية لها مكانة خاصة بين الدول العربية لأنها الدولة التي يوجد فيها الحرمان الشريفان في مكة والمدينة؛ وهي بالأرقام صاحبة أكبر اقتصاد عربي؛ وهي الدولة ذات المكانة الدولية الخاصة سواء كان ذلك لإنتاجها النفطي أو لعضويتها في مجموعة الدول العشرين. ولكنّ ذلك كله لم يكن ليشفع للدولة السعودية وما حدث لها منذ حادث الحرم المكي الشريف في 1979 حيث نزلت ستارة قاتمة على العالم الإسلامي، وكان للسعودية نصيب كبير منها. وإذا كان تشرشل قد وصف ما نزل بأوروبا الشرقية و«الاتحاد السوفياتي» بأنه ستار حديدي من الحكم «الشيوعي» خنق شعوباً عُرف عنها الموسيقى والفنون والإبداع بكل أشكاله؛ فإن الستارة القاتمة في منطقتنا كانت أكثر قسوة على الإنسان السعودي وغير مسبوقة. حدث ذلك في الوقت الذي تطورت فيه التكنولوجيا إلى آفاق جديدة ديدنها الاتصالات والمواصلات حتى بات العالم كله بما فيه من آداب وفنون وإبداعات في متناول اليد. وكانت نتيجة هذه المفارقة، أن هذه الستارة عقدت الحياة من ناحية؛ وفرضت هروباً إلى العالم الخارجي يثير عذابات النفس بالذنب في بلد يأتي له الناس من كل أركان الأرض طلباً للمغفرة.

«التجربة السعودية» الإصلاحية بدأت في عام 2015 عندما صدرت «رؤية 2030»، وقامت على ثلاثة محاور رئيسية: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح والحكومة الفاعلة. المجتمع الحيوي يكون فيه استنهاض العوامل الإيجابية في المجتمع السعودي التي تقوم على رسالة سماوية سامية تقوم على الوسطية والاعتدال. ويتم هذا الاستنهاض من خلال التوعية الثقافية، والترفيه، والتشجيع على ممارسة الرياضة، وتطوير المدن، والمحافظة على البيئة، ورفع مستويات الصحة العامة، ورأس المال الاجتماعي. والاقتصاد المزدهر يأتي من تحولات جذرية في الاقتصاد السعودي القائم بصفة أساسية على النفط الذي يشكل 85% من إجمالي الصادرات. ومن أجل الانتقال إلى حقبة ما بعد النفط، تعتمد الرؤية على محاور رئيسية هي: زيادة مساهمة دور القطاع الخاص في القطاعات الاقتصادية غير النفطية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم المساهمة المباشرة وغير المباشرة للوافدين في الاقتصاد السعودي، ودعم كفاءة الإنفاق العام مع مضاعفة الإيرادات غير النفطية. وفي الوطن الطموح والحكومة الفاعلة تستهدف «الرؤية» زيادة كفاءة وفاعلية الجهاز الحكومي من خلال الشفافية، والتدريب، وكفاءة الإنفاق، والتوازن المالي والمرونة في إدارة الشؤون العامة، والحكومة الإلكترونية (من المرتبة الـ90 عام 2004 إلى 36 عام 2014 والهدف الوصول إلى المرتبة الخامسة عام 2030).

وفي العموم تقوم فلسفة التنمية الاقتصادية على الخصخصة (من 40% إلى 60% من الناتج المحلي)، والاستثمارات القادمة مع الشركات العالمية، والتعدين والتصنيع والاستثمار في الطاقة المتجددة، وخصخصة الخدمات الحكومية، وتوطين الإنفاق العسكري. وتكون النتيجة ارتفاع حجم الاقتصاد السعودي من المرتبة 19 الحالية في الاقتصاد العالمي إلى المرتبة 15، وذلك من خلال تحسين بيئة الأعمال، وتأهيل المدن الاقتصادية، وإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة، وتنمية البنية الرقمية التحتية، واستغلال الموقع الجغرافي، والتكامل الإقليمي والدولي. والآن وبعد مرور عشر سنوات تقريباً على رؤية 2030 فإن المجتمع السعودي جرت فيه تغيرات جوهرية جعلته في طليعة الإصلاح العربي الذي بلغ أحياناً مرتبة الثورة الإصلاحية بخاصة في مجالات الإنتاجية العامة وتنويع مصادر الدخل وتجديد الخطاب الديني.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجربة الإصلاح السعودية تجربة الإصلاح السعودية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab