الحروب السينمائية

الحروب السينمائية

الحروب السينمائية

 العرب اليوم -

الحروب السينمائية

بقلم: عبد المنعم سعيد

عرفت سينما الحروب مبكرا عندما كان الفيلم العظيم «ذهب مع الريح» يحكى عن الحرب الأهلية الأمريكية؛ وبعد ذلك توالت الحربان العالميتان الأولى والثانية اللتان عكستهما أفلام مثل ١٩١٧، وميد واى، وبيرل هاربر، وعشرات كلها تغطى قصص صدامات إنسانية مؤلمة ومثيرة. حرب فيتنام حجزت كوكبة من الأفلام فاز بعضها بالأوسكار مثل «الفصيلة»؛ وفى بلدنا رغم الندرة فإن فيلما مثل «الممر» من الصعب نسيانه. فى كل هذه الأفلام السينمائية كانت الكاميرا تحاول أن تعكس ما كان يحدث كليا أو جزئيا، وأحيانا تكون الدراما الإنسانية، والكوميديا البشرية أيضا، واقعة فى قصة الحرب الحقيقية. الجديد فى الأمر أن العكس بات يحدث فى الشرق الأوسط، أن تجرى الحروب وفق سيناريوهات موضوعة ليس لكى تتحرك الأحداث من النقطة ألف إلى النقطة باء؛ وإنما أن ترجع الثانية فى اتجاه الأولى بحيث تثبت الأوضاع فى النهاية على نقطة لا يريد أحد تجاوزها. مثل ذلك حدث من قبل فى أفلام كوميدية منها أن يقوم بشر- مستشار أمن قومى أو ما أشبه- بتفصيل حرب عالمية لكى يحصل رئيس الدولة على الشعبية من خلال تحريك أدوات الصحافة والإعلام والتلفزيونات. فى النهاية فإن الظن السائد هو أن مثل ذلك يحدث فى الدول الغربية المتقدمة التى من كثرة الحروب وجدت أنه لا بأس من السخرية منها، أو السخرية ممن يستفيدون منها. ولكنه الآن يحدث فى الشرق الأوسط حيث يبدو الظن السائد هو أن القضية فى حروب المنطقة لم تعد تحسب لمن ينتصر فى الميدان، وإنما لمن يكون له الطلقة الأخيرة. القصد من الحرب يضيع فى خضم أحداث تاريخية كثيرة بحيث لا يبقى فى النهاية إلا حالة من رغبة الثأر والانتقام أو عمل ما لإنقاذ ماء الوجه. حماس تسجل انتصارها لأنها لا تزال موجودة؛ وإسرائيل تعرف أنها احتلت غزة ولكن نصرها لا يأتى إلا بزوال حماس وربما الفلسطينيون أيضا.

فى الفترة الأخيرة تغير المسرح عندما انتقلت الأوضاع إلى لبنان؛ وبات البطل العربى هو السيد حسن نصر الله بإطلالته الكاريزمية على الشاشة وفيها قدر كبير من الثقة بالنفس. ولكن الوضع تغير عندما بدأ القادة العسكريون فى التساقط حتى بلغوا ٣٠٠؛ وعندما جرى التفجير لثلاثة آلاف «بيجر» أسفر عن ٢٨ من القتلى، ولكن الجرحى كانوا أضعاف ذلك بكثير، ومنهم من تأصلت فيه عاهة مستديمة. لكن السيد نصر الله كان يعرف جيدا أن نزوح ما بين ٦٠ و٨٠ ألفا من الإسرائيليين وجع لهم ولحكومتهم، وقبل أسبوع من أحداث جسام سوف تأتى بعدها، قرر أن يصل إلى الشاشة لكى يقرر تقديم التحدى لنتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وجالانت وزير الدفاع، بأن هؤلاء لن يعودوا أبدا إلى مساكنهم. زادت عمليات الاغتيال للقادة العسكريين ووصلت إلى السيد إسماعيل هنية ومن بعده حسن نصر الله نفسه؛ ودخلت الحرب إلى جولة جديدة على الأراضى اللبنانية ما زلنا فى أولى مراحلها. هنا لم يكن هناك من شك لدى إيران أن كرامتها وامتحانها على المحك فهى الراعية لمحور «المقاومة» و«الممانعة». وهى الآن مطالبة بالتدخل لتصحيح موازين القوى التى اختلت؛ ولكن تدخل إيران كان يعنى أمرا واحدا هو نشوب حرب إقليمية كبرى كانت طهران تتخوف منها، ولكن إسرائيل كانت تطلبها بشدة لتدمير قاعدة مشروع الأسلحة النووية الإيرانية. الولايات المتحدة قامت بكل الاحتياطات الممكنة لحماية إسرائيل من الضرر، اندفعت كل أشكال العون لكى تراها إيران رأى العين وتقرأها، أنها فى حالة الحرب لن يكون السلاح النووى فى الميزان وإنما نظام الحكم الإيرانى كله.

من جانب آخر كانت واشنطن تعلم جيدا أن ما تحتاجه طهران هو إنقاذ ماء الوجه؛ ولم تكن هناك مشكلة فى استعادة فيلم قديم جرى فى شهر إبريل الماضى عندما أوشكت إسرائيل وإيران على الاشتباك، وكان الأمر يحتاج الخيال السينمائى لكى يجرى الخروج من مأزق قد يفضى إلى حرب إقليمية تضيع فيها مصالح لا يصح أن تضيع. وقتها نشرت عمودا فى الأهرام الغراء تحت عنوان «بروفة حرب» قارنت فيها ما بين «بروفات» الملابس وبروفة الحرب التى جرت بين إيران وإسرائيل. وفى السينما والمسرح تجرى البروفات للتأكد من سلامة النص ونغمات السلم الموسيقى. كتبت «الهجمات المتبادلة بدأت منذ وقت طويل، حتى سابقا على هجمات ٧ أكتوبر الماضى وما تلاه من حرب غزة الخامسة. هناك حرب إيرانية إسرائيلية؛ والهجمة كانت من مساراتها بعد أن ترددت أصداء حول التوسع فى تطبيع إسرائيل فى المنطقة، وباتت إيران وحلفاؤها فى معسكر المقاومة والممانعة مستعدة لإحباطه مهما كان الثمن غاليا. حرب غزة جرت كما جرت، واتسعت كما اتسعت، ولكن فصلا للمواجهة المباشرة بات ينتظر اللحظة، واللقطة الكبرى، لكى تنطلق الطائرات المسيرة والصواريخ المتنوعة من كروز وبالستية وعادية وكفى. كان ذلك ما حدث فى شكل بروفة أعلنت بعدها إيران أنها تضع خط النهاية فى التصعيد؛ وأعلنت إسرائيل أن ما فعلته كان فيه الكفاية. شخص ما فى مجلس الأمن القومى الأمريكى كان يشعر بالسرور لأنه تسامح مع تفريغ طاقة غضب كبيرة لعل الأزمة كلها تنفرج بعد ذلك؛ أو تنتهى البروفات والتدريبات التى تقدم لعمليات كبرى لم يعرف العالم لها مثيلا».

هذه المرة كان الواقع أكثر استحكاما، فلم تكن كرامة إيران تتحمل ما جرى على أراضيها، وفى أحضان الحرس الثورى تجرى الاغتيالات وأخيرا تحدث الخسارة الكبرى فى «حزب الله». مرة أخرى باتت الحرب الإقليمية على الأبواب لن تبقى ولن تذر؛ وضررها سوف يمس أسعار النفط، كما أن إيران لديها فى الجوار القريب دول تقيم على أراضيها قواعد عسكرية أمريكية، وهناك حرب لا تزال جارية فى أوكرانيا، وهناك انتخابات أمريكية جارية ولا تتحمل الإدارة هزة كبيرة تتعرض فيها إسرائيل للضرر، ومعها حلفاء تاريخيون لا ينبغى إحراجهم بأكثر مما هو حادث. هنا جاء دور «البروفة» السابقة أن تقوم إيران بغارة على إسرائيل لا تؤذى ولا تجرح ولكنها تمثل استعراضا للقوة بما يكفى القول للجمهور الإيرانى وفى بلاد المقاومة والممانعة إن الثأر قد أقام الحد، وأن الضربة قد أزالت العار. إيران من ناحيتها قامت بواجبها، جهزت للضربة، وأبلغت واشنطن وكانت واشنطن تتابع التفاصيل، وكذلك وصل الخبر إلى موسكو. ٢٥٠ صاروخا باليستيا تسد وجه الشمس قامت ووصلت فى دقائق إلى إسرائيل ضربت ضربتها. أحد الصواريخ سقط فى الأردن، أما الخسائر البشرية فى إسرائيل فقد كانت شخصا واحدا: فلسطينيا!. إسرائيل من ناحيتها أعلنت أنها سوف ترد فى الوقت المناسب، وهى ذات الكلمات التى استخدمتها إيران بعد اغتيال إسماعيل هنية؟!، هذا الفيلم أنهى فصلا من فصول الحرب القائمة التى لا تزال تنتظر نهاية لا يخفف منها مشهد هنا أو هناك!.

arabstoday

GMT 06:31 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الملاذ

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وبقيت للأسد... زفرة

GMT 06:27 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

هل «يتدمشق» الجولاني؟

GMT 06:25 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الشرع والعقبة

GMT 06:23 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا: مخاوف مشروعة

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جهود بحثية عربية لدراسات الطاقة

GMT 06:18 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دمشق والسير عكس المتوقع

GMT 06:15 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

شرق أوسط جديد حقًّا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحروب السينمائية الحروب السينمائية



إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:51 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 العرب اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 العرب اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
 العرب اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 07:21 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية
 العرب اليوم - إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية

GMT 15:16 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب أثناء محاكمة نتنياهو

GMT 12:39 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل يتحمل كهربا وحده ضياع حلم الأهلى؟!

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 08:34 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

جديد في كل مكان ولا جديد بشأن غزة

GMT 04:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إنزال إسرائيلي قرب دمشق استمر 20 دقيقة

GMT 16:56 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

السيتي يعلن وفاة مشجع في ديربي مانشستر

GMT 20:06 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

انتشال 34 جثة من مقبرة جماعية في ريف درعا في سوريا

GMT 10:58 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ضربة جوية أمريكية تستهدف منشأة تابعة للحوثيين باليمن

GMT 08:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 03:01 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حظر الطيران الجوي في أصفهان وقم الإيرانيتين

GMT 02:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد 8 فلسطينيين في قصف إسرائيلي بغزة

GMT 02:54 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 7.3 يضرب المحيط الهادئ وتحذير من تسوماني

GMT 04:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دوي انفجار يهز صنعاء وسط أنباء عن استهداف وزارة الدفاع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab