اللحظة الساداتية

اللحظة الساداتية؟!

اللحظة الساداتية؟!

 العرب اليوم -

اللحظة الساداتية

بقلم - عبد المنعم سعيد

في عالمنا، عندما تنشب الحروب، أو يحدث الأمر الجلل من ثورات وكوارث طبيعية، فإن التساؤل يكون متى تنتهي هذه الحالة المقيتة؟ وفي الواقع لا يكفي هذا السؤال الطبيعي لانتهاء الحالة المرفوضة، فالحرائق لا تتوقف إلا عندما يتوقف تدفق الوقود في اتجاهها أو منع الأكسجين عنها، أما الأمراض المستعصية فإنها لا تتوقف إلا بعلاج ناجز أو جراحة حاسمة. الحروب ليست استثناءً من هذه القاعدة، وهناك أنواع منها سماها الرئيس بايدن «حروباً أبدية» تستمر فترات طويلة، ولا يعرف أحد متى تنتهي، وإذا انتهت فهل سيحل فيها سلام أو ستبقى لتنتظر جولة أخرى؟ والحروب تختلف عن الصراعات مثل الصراع العربي أو الفلسطيني الإسرائيلي، فهي ممتدة تقطعها حروب، والحروب تقطعها معارك، ويظل السؤال حول النهاية في انتظار وصول الأطراف إلى حالة من الإرهاق يكونون بعدها على استعداد لخوض المفاوضات، والبحث عن سلام يستفيد منه الجميع. سوف نستبعد هنا الحالة التي حدثت في الحربين العالمية الأولى والثانية عندما كان النصر حاسماً، حيث يكون فيه الاستسلام بلا قيد ولا شرط؛ ولكنه كان في الأولى قاسياً إلى الدرجة التي أدت إلى الحرب الثانية، وفي النهاية كان الإنسان قد بات أكثر حكمة، فكان الاستسلام دون إذلال. ولكن هناك حالة أخرى لا ينبغي استبعادها وهي تلك «اللحظة الساداتية»؛ أي تلك التي يهل عليها حكيم سياسي يكون قادراً على تغيير البيئة العدائية والتفاوضية بحيث تفضل السلام على استمرار الحرب.

نعم، يوجد في التاريخ الآن «لحظة ساداتية» لها صفاتها وخصائصها وأهمها أن العالم يصبح بعدها ليس كما كان قبلها، رغم أنها «لحظة» في حكم الزمن. وكما قيل إن قرناً ونصفاً من الإمبراطورية البريطانية لا يزيد عن كونه «غمضة عين» في التاريخ، فإن المؤكد أن وجود الإمبراطورية لم يكن أمراً عارضاً لأنها اتسعت كما اتسعت، وإنما لأنها أطلقت الثورة الصناعية الأولى، وقدمت للبشرية نظاماً اقتصادياً وسياسياً لا يزال هو مرجعية الأمم. الرئيس السادات حكم مصر أحد عشر عاماً جرت كما لو كانت «غمزة عين»، ولكنها لم تكن كذلك؛ لأنه اتخذ قراراً للحرب وآخر للسلام، وفي كل منهما أضاف لتاريخ العالم لحظة لها تأثيراتها في الدنيا كلها. لم يكن قرار الحرب بتحرير أراضٍ محتلة فقط، أو للتخلص من عارٍ حدث قبل ذلك، ولكنه كان تسجيلاً ليقظة أمة، وإشهاراً لدور النفط العربي في العلاقات الدولية، والأهم من ذلك كله وضع السلاح في خدمة السياسة. كان قرار حرب 1973 هو الذي جعل قرار السلام بزيارة القدس ممكناً. اللحظة الساداتية لم تكن مصرية فقط، ولكن سبقها في شبه القارة الهندية ما فعله المهاتما غاندي لكي يحصل على استقلال الهند من الاستعمار الإنجليزي، حتى لو كان عليه منح الاستقلال لباكستان؛ وفي الحالتين كان الاغتيال هو القدر والنصيب.

السؤال الآن هو: هل حان وقت السلام في الحرب الروسية الأوكرانية؟ الحرب الآن دخلت عامها الثاني، وقرب منتصفه فإننا نجد أن القوات الروسية التي دخلت إلى أوكرانيا وكان غرضها السيطرة على أراضيها كلها نجحت في السيطرة على بعض المناطق في الجنوب والشرق، وأعلنت ضمها إلى الدولة الروسية بعد استفتاءات صورية، وبعد ذلك أخذت مواقف دفاعية. أوكرانيا على الجانب الآخر نجحت في الصمود، وأنقذت عاصمتها «كييف»، ومع المعونات الغربية الكثيفة نجحت في شن هجوم مضاد في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي نجحت فيه بتحرير عدد من المدن الهامة، وفي مقدمتها «خيرسون» التي تبقي باب أوكرانيا مفتوحاً في اتجاه البحر الأسود، وتحافظ على ميناء «أوديسا» بالغ الحيوية لبقاء نافذة لأوكرانيا على ذات البحر الذي يقود إلى البحر المتوسط. في نهاية الربيع من العام الحالي بدأت أوكرانيا هجوماً مضاداً واسع النطاق، وبعد شهور (الآن) لم تحرز تقدماً يُذكر في مواجهة دفاعات روسية مُحكمة، وعبورها يقتضي تكلفة عالية في الأرواح والمعدات.

والحقيقة هي أنه لا يزال مبكراً القول من الناحية العسكرية البحتة إن الطرفين قد وصلا إلى نقطة توازن تسمح بفتح باب مفاوضات جادة حتى لو كانت روسيا مرهقة وتعاني من آثار تمرد ميليشيا «فاغنر»؛ كما أن أوكرانيا تعاني من صعوبات كبيرة في تقدمها الحالي. الحالة هكذا ينبغي مراقبتها، وفي الرصيد فقد جرت مفاوضات بالفعل من قبل لتبادل الأسرى، وعُقدت صفقة للإفراج عن القمح الأوكراني المهم للاقتصاد الغذائي العالمي. وفي الرصيد أيضاً أن هناك مبادرة صينية للسلام تقوم على شقين: الأول لا يسمح بضم روسيا لأراضي أوكرانيا بالقوة المسلحة؛ والثاني أنه لا يجوز لحلف الأطلنطي أن يكون مهدداً لا لروسيا، ولا الصين. هذه وتلك من محاولات كسر العداء الجاري ومنع تصاعده أسهمت فيهما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومؤخراً حاولت الدول الأفريقية أيضاً بحكم مصالحها الغذائية الدخول إلى ساحة التقريب بين وجهات النظر.

المبادرة السعودية المقبلة بالتعاون مع تركيا تأخذ مساراً أكثر نجاعة وشمولاً من سابقيه؛ حيث تعتمد على التغيرات الجارية في النظام الدولي التي لم تجعله من ناحية القطبية ثلاثياً يشمل الولايات المتحدة والصين وروسيا، وإنما يشمل أيضاً دولاً أخرى من ذات التأثير بسبب عدد السكان أو القوة العسكرية أو الاقتصادية بجانب العضوية في مجموعة الدول العشرين أو «البريكس». وهي دول يقال عنها «متوسطة»، لا تعتمد على أي من الأقطاب الرئيسية؛ وكلمتها لأسباب خاصة بقوتها، قادرة على التأثير فيها. السعودية وتركيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا يمكنها البدء في كسر الممانعة للتفاوض والبحث عن حل لحرب طالت أكثر مما ينبغي. ربما كنا على أبواب لحظة ساداتية هامة!

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللحظة الساداتية اللحظة الساداتية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab