بقلم: عبد المنعم سعيد
يقال إنه من الصعب أن تعرف الطريق ما لم تعرف النهاية أو محطة الوصول. والواقع أنه من الصعب الحديث عن ذلك فى المرحلة الراهنة، حيث مبلغ القصد أن نفكر فى مقتضيات المرحلة التالية من وقف إطلاق النار فى غزة. لم يكن الطريق سلسا خلال المرحلة الأولى، ولم يخل الزمن من محاولات إسرائيلية وحمساوية أيضا لعرقلة ما اتفق عليه، فإسرائيل تعرقل دخول الإمدادات والمساعدات، وحماس تلوح دائما بتأخير تسليم المحتجزين، وعندما تعرضهم فإن لديها فى الجعبة من يشبهون هؤلاء الذين خرجوا من معتقلات هتلر، وهؤلاء الذين خرجوا من حفل عشاء. ورغم هذه التطورات الآنية فإن البحث حول نهاية المطاف سوف يظل أمرا هاما، وهناك من سوف يعترض على الحديث عنه فى المقام الأول لأنه سوف يطرح خلافات جديدة عميقة ربما ينبغى تأجيلها إلى ما بعد انتهاء المراحل الحالية، فربما كان بعدها قدر من الثقة التى تسمح بالحديث عن أهداف «الوضع النهائى». ولكن رفض الحديث عن هذا الوضع ربما كان أحد الأسباب التى أدت إلى تأخير التوصل إلى حل للصراع الفلسطينى الإسرائيلى؛ وكانت ترجمة ذلك سلسلة من الحروب؛ فلا يجب ألا ننسى أننا نعيش «حرب غزة الخامسة» وأن قبلها كانت هناك أربع حروب لعل الحالية أكثرها شدة وزمنا، ولكنها فى النهاية مثلت تراكما قاسيا لعنف لم يتوقف، وإن فترات صمت المدافع كانت مجرد هدنة مؤقتة. وفى أثناء إعداد دراسة «العرب والإسرائيليون من ٧ أكتوبر إلى صنع السلام» التى شاركت فيها بجامعة «برانديز» الأمريكية مع آخرين وجدت «الوثيقة النرويجية» التى صدرت فى فى عام ٢٠١٢ بعد دراسات ونقاشات وحوارات مجموعة من الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب الأمريكيين لم أكن من بينهم.
(١) دولتان: يقتضى هذا المفهوم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل بسلام وأمن وتعاون، على أن تعترف دولتا إسرائيل وفلسطين ببعضهما البعض.
(٢) نهاية الصراع: يترتب على تنفيذ هذا الاتفاق فى مجمله نهاية الصراع بين دولتى إسرائيل وفلسطين ونهاية كافة المطالبات، كما سيضمن قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بهذا الشأن إطلاق سراح جميع السجناء.
(٣) الأراضى: تستند حدود الدولتين إلى حدود عام ١٩٦٧ مع تبادل أراضٍ متفق عليه بشكل متبادل، وسيتم تعويض الأراضى التى تضمها إسرائيل بتبادل أراضٍ مكافئ، وإنشاء ممر دائم يربط الضفة الغربية وقطاع غزة، وتشمل إرشادات التبادل: تبادل صغير بنسبة تتراوح بين ٢٪-٦٪، وسيتمتع معظم المستوطنين بالعيش تحت السيادة الإسرائيلية، وسيتم تقليل عدد الفلسطينيين المتأثرين، وسيتمتع الفلسطينيون بالاتصال الجغرافى.
(٤) الأمن: سيتم تعريف دولة فلسطين على أنها «دولة منزوعة السلاح»، ولكنها ستمتلك قوة أمنية قوية، ويتفق الطرفان على الالتزام الكامل والشامل بمكافحة الإرهاب والتحريض، وسيتم نشر وجود دولى لأغراض الردع وأمن الحدود فى فلسطين، ولا يمكن سحبه إلا بموافقة متبادلة، وسيراقب هذا الوجود تنفيذ الاتفاقية بين الطرفين، وسيُسمح بوجود إسرائيلى فى محطات الإنذار المبكر لفترة زمنية محدودة، وستمتلك دولة فلسطين السيادة على مجالها الجوى، ولكن سيتم وضع ترتيبات خاصة لاحتياجات التدريب والعمليات الإسرائيلية، ولن يتم السماح بدخول أى جيش أجنبى إلى فلسطين، ولن تبرم حكومتها أى اتفاقيات عسكرية مع دولة لا تعترف بإسرائيل.
(٥) القدس: ستكون القدس عاصمة للدولتين، وستبقى موحدة ولكن مع بلديتين وهيئة تنسيق، وستخضع المناطق العربية فى القدس الشرقية للسيادة الفلسطينية، والمناطق اليهودية للسيادة الإسرائيلية، وسيكون للفلسطينيين سيطرة فعالة على الحرم، وللإسرائيليين سيطرة فعالة على حائط البراق، وستلعب لجنة دولية مكونة من الأردن والسعودية والولايات المتحدة وإسرائيل وفلسطين دور الوصى، لإدارة الأمور المتعلقة بالأماكن المقدسة فى البلدة القديمة ومناطق أخرى متفق عليها خارج أسوار المدينة، وستقوم اللجنة بالحفاظ على المواقع المقدسة، والإشراف على التعاون وحل النزاعات، وضمان الوصول لجميع الأديان، وستشرف على تنفيذ ترتيبات خاصة تمنع الحفريات تحت الحرم وخلف الحائط، وسيُطلب موافقة جميع الأطراف قبل إجراء أى حفريات، وسيتم توفير مراقبة دولية لتعزيز الثقة المتبادلة.
(٦) اللاجئون: تلتزم إسرائيل بالاعتراف بالمعاناة المعنوية والمادية التى لحقت بالشعب الفلسطينى نتيجةً لحرب عام ١٩٤٨، ويتعين أن يكون حل مشكلة اللاجئين متسقًا مع نهج الدولتين كوطن لشعبيهما، وستشكل الدولة الفلسطينية النقطة المحورية للفلسطينيين الذين يختارون العودة إلى المنطقة، فى حين تستقبل إسرائيل بعض هؤلاء اللاجئين، كما سيكون للاجئين خمسة خيارات للسكن: فى دولة فلسطين؛ وفى المناطق التى يتم نقلها من إسرائيل إلى فلسطين فى إطار التبادل؛ وفى الدول المضيفة؛ وفى دول ثالثة؛ وفى إسرائيل، وسيتم منح حق العودة إلى دولة فلسطين والمناطق المتبادلة لجميع اللاجئين.
الملاحظ هنا أن هذا الجهد تم منذ ثلاثة عشر عاما، ولم يكن هو الجهد الوحيد الذى أتى من «النرويج» تلك الدولة الإسكندنافية التى كانت من أوائل الدول التى اعترفت بالدولة الفلسطينية ٢٨ أغسطس ٢٠٢٤؛ فقد كانت هى التى قدمت لميلاد «الدولة الفلسطينية» عندما انعقدت تحت خيمتها المفاوضات التى جرت بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية من أجل التوصل إلى «اتفاق أوسلو» الذى أعطى للفلسطينيين أول كيان سياسى على الأرض الفلسطينية فى التاريخ. جرى الإعلان عن الاتفاق فى ١٣ سبتمبر ١٩٩٣ فى واشنطن بعد أن انتهى التفاوض فى أوسلو فى ٢٠ أغسطس ١٩٩٣؛ وكان الموقعون على الاتفاق من الجانب الفلسطينى الذى يقوده ياسر عرفات، ومحمود عباس الرئيس الحالى لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن الجانب الإسرائيلى وزير الخارجية شيمون بيريز فى حضور إسحاق رابين رئيس الوزراء آنذاك. ثلاثة من هؤلاء ياسر عرفات، واسحق رابين، وشيمون بيريز حازوا على جائزة نوبل للسلام. وفى الأول من يوليو ١٩٩٤ دخل ياسر عرفات وصحبه إلى أرض فلسطين من بوابة رفح الحالية بعد أن صاحبه إليها الرئيس محمد حسنى مبارك. كانت لحظة من لحظات السلام البارقة، والتفاؤل بأن ما جرى سوف يقود إلى قيام الدولة الفلسطينية. ولكن قوى التطرف لدى الطرفين فى المعارضة المسلحة للاتفاقية؛ وفى إسرائيل جرى اغتيال اسحق رابين رئيس الوزراء فى ٤ نوفمبر١٩٩٥؛ وعلى الجانب الفلسطينى بدأت المعارك لإحباط الاتفاق من قبل جماعات راديكالية يقودها تنظيم حماس بتفجير حافلات شملت الفترة من ١٩٩٤ وحتى ١٩٩٦ وكانت هى التى قادت إلى وصول «نتنياهو» إلى رئاسة الوزارة الإسرائيلية لأول مرة. وكانت النتيجة هى التأجيل المستمر لمفاوضات الوضع النهائى؛ ورغم مفاوضات كامب ديفيد الفلسطينية الإسرائيلية تحت رعاية الرئيس كلينتون فإن قوى التطرف برعاية شارون على الجانب الإسرائيلى وحماس على الجانب الفلسطينى الذى أفضى إلى الانتفاضة الفلسطينية الثانية العسكرية، وعصفت بالإنجاز الذى حققته أوسلو حتى جاء «طوفان الأقصى» فى ٧ أكتوبر لكى يبدأ صفحة أخرى فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. لم يعد هناك مفر للخروج من هذه الحلقة المفرغة إلا بالبحث عن سلام عادل ودائم، لا يتحكم فيه المتطرفون وإنما أصحاب المصلحة والحكمة.