على ماذا يكون النضال

على ماذا يكون النضال؟!

على ماذا يكون النضال؟!

 العرب اليوم -

على ماذا يكون النضال

بقلم : عبد المنعم سعيد

لكل جيل من أجيال مصر الحديثة كانت هناك مهمة كبرى عليه تحقيقها من أجل وطن عظيم. د. محمد أبوالغار يستعير فى نهاية مقالاته شعارًا اشتقه من غناء سيد درويش، الذى يدعو فيه المصريين إلى القيام لأن وطنهم يناديهم. الآن تتواصل اجتماعات نخبة مصرية للتحاور حول مهام المرحلة المقبلة، التى يجرى فيها تجاوز تحديات وعقبات لابد منها لاستكمال مسيرة جرَت منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣. وإذا كان ممكنًا التلخيص، فإن المهمة الراهنة لا تقل فى تحديها عن تحقيق انطلاقة مصرية تتجاوز معضلات المرحلة الخارجية والداخلية إلى معدلات نمو عالية ليس فقط فى المجال الاقتصادى، وإنما أكثر من ذلك أن يكون الإنسان المصرى فى مستوى العصر الذى نعيش فيه.
مثل ذلك كثيرًا ما يُقال عنه «بناء الإنسان المصرى»، وهو قول لم يَجْرِ له كثير من التحرير فى المعنى والمبنى، وفى الأصول والفروع، والكيفية التى ينتقل بها الإنسان من حال يتعايش مع الفقر والتخلف إلى آخر يعيش فيه الغنى والتقدم. ولا أجد مثالًا يقرب منه قدر تلك الحالة من الفوران الكبير فى دول شرق وجنوب شرق آسيا، التى دارت فى المدارين الصينى واليابانى فى عصور قديمة؛ ثم دخلت عليها نوبات الاستعمار الفرنسى والبريطانى والهولندى، والحروب العالمية، وكل حالات الفقر والوباء والمجاعة. الأمثلة اليابانية والصينية فى التقدم كثيرة، ولكن آخر ما لفت الأنظار قادمًا من المنطقة كان استعداد كوريا الجنوبية لاستعمار القمر. الولايات المتحدة تحت إدارتى أوباما وبايدن أعلنت كثيرًا عن التوجه الاستراتيجى للدولة الأمريكية، بينما يحافظ على التحالف مع أوروبا، فإنه يخرج من الشرق الأوسط، ويتجه نحو آسيا ويكون التفاعل معها نقطة ارتكاز. أيًّا ما كان الأمر مما حدث لهذا التوجه من انتكاسات، إلا أن بعضه يظهر بقوة فى معدلات التفاعل فى التجارة، والمال، والبشر؛ ومؤخرًا الإعلان الرسمى عن بداية عصر «الإخوة الأعداء»، الذى تتعاون فيه الولايات المتحدة والصين فى التجارة والصناعة، ثم تتنافسان حول «تايوان» وكل أمر آخر.

وحتى يمكن استجلاء الأمر أكثر ويكون واضحًا وضوح شمس صباح صيف، فإن خبرة جيلنا ربما تعطينا بعض الحكمة، فقد حكمت طفولتنا ذكريات وبطولات التخلص من الاستعمار، وما إن بدأنا معرفة العالم حتى كان النضال من أجل تحرير فلسطين والجزائر هو ما يدفعنا إلى التظاهر تأييدًا ومساندة للأشقاء. ومن وقت لآخر كانت قضيتنا هى نضال الأفارقة، وعندما قتل لومومبا فى الكونغو كان الحزن شديدًا، ومن بعدها تعودنا أن دولنا فى إفريقيا والعالم العربى تتعرض لمؤامرات كثيرة من المستعمرين. وعندما شببنا عن الطوق، ودخلنا الجامعة أصبحت «الإمبريالية» واحدة من مفرداتنا، ولما وقعت كارثة يونيو ١٩٦٧ اهتز كثير من الإيمان بأهمية الثورة لولا أن جاءنا من بعيد، ومن فيتنام، بصيص ضوء أن البلدان المناضلة يمكنها تحقيق النصر على أعداء أقوياء. ولم يوجد بيننا ساعتها مَن شعر بالخجل من قصيدة «فدوى طوقان»، التى تمنت فيها أن تأتى ريح شرقية نحو الصحراء العربية بأبطال من فيتنام فتعطيهم «مليون ولود قحطانية» لكى يأتى منهم رجال يرفعون عنّا عار الأمة ويحفظون شرفها. وكان ذلك هو ما جرى فى أكتوبر ١٩٧٣ على أى حال حتى بدون عملية تلقيح فيتنامية، ومع ذلك ظلت التجربة الفيتنامية حاضرة ومُلِحّة فى الأذهان طوال الأعوام الماضية. النضال الفيتنامى كان ملهمًا، ولكن ما هو مناسب لأحوال جيلنا المتحاور هو دروس انتقال فيتنام من صفوف الدول النامية إلى قلب الدول البازغة؛ وعندما وصلت صادراتها إلى أكثر من ٢٦٤ مليار دولار فإن «التجربة النضالية» كانت فى البناء والتعمير، وبناء الإنسان الفيتنامى لكى يتناسب مع دولة متقدمة قادمة مثل تلك التى قامت فى كوريا الجنوبية من قبل.

هذه الحالة الآسيوية تشكل مرجعية ناجحة للخيارات المصرية خلال المرحلة المقبلة، وتحدد بوضوح ما يجب النضال من أجله. «الهدية» التى تأتى من الجيل السابق للجيل الحالى هى أن مصر قد باتت مُحرَّرة من كل احتلال وحضور أجنبى لأربعة عقود كاملة، وهذه لم تتحقق منذ ما قبل ثلاثة آلاف عام. ورغم كل الصعوبات والتحديات، فإن مصر صاغت من جديد مشروعًا للدولة الوطنية يقوم على البناء واسع النطاق، والولاء الكامل للوطن والمواطنين بغض النظر عن الدين أو النوع أو اللون أو العقيدة. ووضع ذلك موضع التطبيق فى إطار رؤية شاملة ذات طبيعة إصلاحية تقوم على الاستقرار السياسى والنمو الاقتصادى والتكامل الاجتماعى؛ وبات على الأجيال الجديدة من المصريين النضال من أجل تحقيق الأهداف الظاهرة والكامنة فى هذه الرؤية. وما جرى فى هذا البلد حتى الآن ربما يجعل عيوننا أكثر صفاء فى التعامل مع المستقبل حيث نحسم ترددنا، ونهزم مخاوفنا، ونسير على الطريق الذى سارته دول العالم، التى كانت مثلنا ثم سبقتنا لأنها ببساطة حسمت أمرها ولم تعد تقبل المراوغة وإمساك العصا من المنتصف. المرجعية المشار إليها عرفت بناء عناصر القوة المختلفة من خلال أسواق مفتوحة تعمل كما تعمل اقتصاديات السوق فى البلدان المتقدمة؛ وفيها يجرى تجديد الفكر وعمران الثقافة بقوة الدفع الجارى فى بناء دولة حديثة.

لقد بات «نموذج الدولة الوطنية المصرية» هو ما تتردد أصداؤه فى المنطقة كلها من العراق إلى المغرب، وربما لم يحدث أن جرى البحث فى تاريخ البلدان العربية عن الأصول الوطنية للدولة مثلما يحدث الآن؛ ولا كان السعى من أجل التنمية الشاملة والمتكافئة يجرى كما يجرى الآن. هذا النموذج استفاد كثيرًا من التجربة المصرية عبر العصور، ودرج على الانسجام والتماسك الاجتماعى، وظل رافضًا وبقوة للتقسيم والتجزئة على أساس من الطائفية والعرقية. بات هناك أمام الأجيال المصرية الجديدة ما يستحق التمسك به كمنارة لأجيال عربية أخرى قدمت بالفعل رفضها للمحاصصة والتفتيت والديمقراطية الزائفة، التى تشجع كل ما هو طائفى وعنصرى على أسس دينية ومذهبية. ولكن ذلك يضع الإطار العام كما هو الحال فى كل النماذج التاريخية؛ وفى تفاصيله لا تكمن فقط الشياطين التى تحاول الالتفاف حول ما تحقق فيه، والواجب اجتثاث أصولها؛ وإنما أكثر من ذلك الذود لتحقيق أهداف المشروع ومقاصده، التى هى الضمانة الأساسية لاستمرار المشروع واستدامته.

مثل ذلك يتحقق بكثير من تحمل أعباء الأزمات القادمة من الخارج، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة لكى تتجاوز الدولة أعباء أزمات الداخل، وبقاء السوق مفتوحة فى كل الأوقات، وتحقيق المساواة أمام الفرص المتاحة فى المجتمع من خلال عملية التنمية. الأجيال الجديدة سوف يكون عليها النضال والإبداع أمام قضايا جديدة مُلِحّة تتعلق بالتكنولوجيا والبيئة والغذاء والطاقة. كل هذا لعله يكون مطروحًا أمام الحوار السياسى الجارى الآن داخل الاجتماعات أو خارجها، فلا يجوز بعد كل الآمال المعقودة للحوار أن يخرج منه ما يناسب عصورًا سابقة فى العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على ماذا يكون النضال على ماذا يكون النضال



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 04:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
 العرب اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab