بقلم: عبد المنعم سعيد
حينما درسنا السياسة كان جوهرها الدولة الوطنية الحديثة، وهذه قاعدتها «الهوية» المشتركة التى تنسج العلاقة بين أفراد شعب وجماعة قامت على إقليم بعينه. بناء الهوية لا يأتى عن طريق المصادفة، أو أنه نتيجة عملية تاريخية واحدة، أو بعد واحد من أبعاد الثقافة، هو تركيبة تتفاعل فيها عوامل وعناصر عبر فترات زمنية يختمر فيها كل ذلك حتى يكون نضجا وفكرة تقوم على تماسك لا تفضه محنة، ونصرة لا تقطعها هزيمة. «الهوية المصرية» الأكثر أصالة بتاريخ طويل لم يكن التاريخ حاضرا طوال الوقت، ولكن المكانة والشخصية لم تقطعها لا إمبراطورية ولا خلافة. ولكن عندما أرادت مصر الخروج من عباءة الإمبراطورية العثمانية لم يكن ذلك سهلا، وظل الولاء قائما من قبل مصطفى كامل، ولم تكن هناك غضاضة فى أن يقاتل «عزيز المصري» فى صفوف الإمبراطورية، وعندما يعود إلى مصر يصبح أستاذا للضباط الأحرار. كانت ثورة 1919 هى التى استعادت مصر من عمق سبعة آلاف عام.
بعض من ذلك يجرى فى الكثير من الدول العربية، أحيانا فى صورة سلبية تؤدى إلى الانقسام والحرب الأهلية؛ وأحيانا أخرى إيجابية، لأن حكمة القيادة والزعامة بدأت فى إعمال النسيج القومى بدلا من الالتقاء العشائري. دول الخليج والمملكة العربية السعودية بدأت كما بدأت مصر بهضم فكرة «الدولة الوطنية» من خلال البعثات للدول التى خرجت من عباءة الثورة الفرنسية التى أرست أسس الهوية كمصدر لشرعية الدولة. مركب الهوية لا يأتى من التاريخ وحده وهذا يجرى الغوص فيه، ولكنه يأتى من الضرائب والتجنيد وتحرير النساء والاستماع إلى الموسيقى وتشجيع الفريق القومى لكرة القدم. قبل شهور قْدم للسعوديين أوبرا «زرقاء اليمامة»؛ وقبل أسبوع فى موسم جدة على خشبة المسرح العربى بـ «سيتى ووك» عرضت مسرحية «ميوزيكال سكوول» لم يكن مهما من قدمها أو من قام بالتمثيل فيها، وإنما المهم هو أن يشاهدها ويضحك فيها شعب واحد تكون متعته واحدة.
نقلاً عن "الأهرام"