أمام صناديق الاقتراع

أمام صناديق الاقتراع!

أمام صناديق الاقتراع!

 العرب اليوم -

أمام صناديق الاقتراع

بقلم: عبد المنعم سعيد

لا يوجد فى العالم اهتمام بالانتخابات الخاصة بدولة كما يحدث مع الانتخابات الأمريكية لأسباب كثيرة نتيجة للمكانة التى تتمتع بها الولايات المتحدة فى الأمن الدولى والاقتصاد العالمى والثقافية الإنسانية. هناك نوع من سحر المنافسة والسباق داخل الدولة الأمريكية، وبينها وبين الدول الأخرى. فى أول الصبا، وكنت أتقاسم مع أخى المرحوم اللواء قدرى سعيد ثمن الصحف، عرفنا أمر المنافسة بين كنيدى الديمقراطى ونيكسون الجمهورى وما جرى بينهما فى أولى المناظرات التلفزيونية. وقتها، عرفت مصر التلفزيون، ولكنها لم تعرف المناظرة ولا نقلها، ولكن ما قرأته بعد ذلك ذكر أن الذين استمعوا إليها فى الراديو اعتقدوا أن نيكسون كان فائزًا، أما مَن شاهدوه فى التلفزيون فكانوا على يقين أن كينيدى هو الفائز؛ وهو ما حدث.

كان العالم يتغير، وكان جزء من التغيير أن تأتى أجيال جديدة، ولم تكن السن وحدها هى الفارق، وإنما التعامل مع تكنولوجيات جديدة، من بينها التلفزيون. كان سباق الفضاء قد بدأ، ورغم أن الاتحاد السوفيتى كان أول مَن أرسل إلى الفضاء رسولًا، فإن كينيدى وعد أن يصل إنسان أمريكى إلى القمر بعد عشر سنوات. وكان ذلك ما حدث رغم أن كينيدى جرى اغتياله!. بعد الصبا والعبور إلى الشباب، ذاعت الكتب التى قيل فيها كيف يمكن «صناعة الرئيس»؛ وصُورت أفلام عديدة. وعندما وصلت إلى أمريكا لأول مرة كان جيمى كارتر هو الرئيس الطيب الذى لم يكن يعرفه أحد، ولعب دورًا فى إقامة السلام فى الشرق الأوسط. وكانت أولى الانتخابات التى شاهدتها مباشرة واقعة بين الرئيس كارتر الديمقراطى ومتحديه ريجان الجمهورى، ووقتها كنت قد بدأت التدريس، وبات لدىَّ طلبة، فقررت أن أبدأ معهم أول استفتاء انتخابى حينما طلبت من الطلاب أن يحددوا مَن سيقومون بانتخابه؛ وكانت النتيجة لصالح ريجان كاسحة!.

قضت الظروف الدراسية بعد ذلك التعرف على الولايات المتحدة وتاريخها ونظامها السياسى من زاوية تأثيرها فى السياسة العالمية وفيها منطقتنا. لم أتأخر عن متابعة الدورات الانتخابية وكانت محاسن الصدف تعنى التواجد داخل أمريكا والحديث مع زملاء وخبراء فى الموضوع. ومن الحديث والقراءة، فإن عنوان هذا المقال يُغفل أن أكثر من ثلث المصوتين فى الانتخابات لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع، فهناك مَن يصوتون بالبريد، أو فى أيام سابقة على موعد الاقتراع (الثلاثاء الأول من نوفمبر فى السنة الرابعة للرئيس القائم فى البيت الأبيض). أمريكا دولة إمبراطورية أو إمبريالية حسبما ترى، ولكن ذلك يعنى أن جيوشها وأساطيلها منتشرة عالميًّا، كما أن شركاتها العملاقة ومتعددة الجنسيات، وحتى جامعاتها، متواجدة فى المعمور من الأرض. جحافل من الأمريكيين لا يكفون عن استكشاف العالم، وهؤلاء من حقهم التصويت ماداموا عندما يضعون تقريرهم الضرائبى يتبرعون بدولار واحد- على الأقل- لتغطية تكلفة الانتخابات.

المثير فى الأمر ليس العملية الانتخابية وما فيها من منافسات مثيرة على المستوى الرئاسى، وإنما لأنه يجرى انتخاب مجلس النواب، ومعه ثلث مجلس الشيوخ، وحكام الولايات. هو مهرجان انتخابى إذن؛ ولكن الأكثر إثارة هو أنه لا توجد انتخابات مثل الأخرى. مثقفونا ومفكرونا كثيرًا ما يبدون الدهشة بأن العالم يتغير وكأن التغيير اختراع يتحدى ما يقولون من «ثوابت»؛ ولكن الحقيقة «الثابتة» هى عملية التغيير هذه التى تظهر جلية وواضحة فى العملية الانتخابية الجارية فى الولايات المتحدة، والتى بيننا وبينها فارق فى التوقيت على الساحل الشرقى قدره سبع ساعات، وهكذا فإنه عندما تكون الساعة الثالثة بعد الظهر لدينا فإنها تكون الثامنة صباحًا وقت الاقتراع فى نيويورك وبوسطن وواشنطن وغيرها. وعليك أن تنتظر ثلاث ساعات أخرى حتى يحين موعد الاقتراع فى لوس أنجلوس وسياتل. هذا الفارق فى الزمن له تأثير على المهتمين بمتابعة الانتخابات الأمريكية لدينا، فمَن يرد الانتظار عليه أن يفعل ذلك بعد تمام فرز الأصوات والإعلان عنها ولاية بعد الأخرى بمجرد الانتهاء منها. ولكن ذلك ليس منتظرًا هذه المرة لأنه فى المرة السابقة لم يتم الانتهاء من التصديق على نتائج الانتخابات إلا فى ساعة متأخرة من مساء ٦ يناير ٢٠٢١ عندما فاز جوزيف بايدن على دونالد ترامب، بعد أن قام أنصار الأخير بالهجوم على مبنى الكونجرس لمنعه من القيام بعملية التصديق، وهى الخطوة الأخيرة فى حسم الفائز.

ما يجعل الكثير من التعقيد فى العملية الانتخابية سائدًا هو أن الولايات المتحدة «جمهورية» تحكمها سلطة واحدة لها السيادة من المحيط الأطلنطى حتى المحيط الباسفيكى. ولكنها فى نفس الوقت فيدرالية مكونة من ٥٠ ولاية تنازلت الولايات عن قدر من سلطاتها لحكومة اتحادية، بينما احتفظت لنفسها بالسلطات التى لم يقررها الدستور للحكومة الاتحادية مثل التعليم والصحة والقضاء ومواجهة الكوارث الطبيعية، ومن حقها أن تفرض الضرائب والرسوم على مستوى الولاية أو على مستوى المقاطعات التى تضمها. لكل ولاية أمريكية دستورها الخاص، ومواطنوها هم مواطنون فى نفس الوقت فى الدولة الأمريكية، ولهم نسبة فى التمثيل حسب عدد السكان فى مجلس النواب، أما مجلس الشيوخ فتمثل فيه الولايات بعضوين مهما كبرت أو صغرت الولاية. مثل ذلك يجمع ما بين رأى الشعب، وحق الولاية فى التعبير عن مصالحها. فى هذا النظام فإن لكل ولاية حق تنظيم العملية الانتخابية، وهى من الأمور التى تمثل ضعفًا نظرًا للتنوع فى استخدام تكنولوجيات التصويت وحصر النتيجة وجدولتها، والتصديق عليها، وفى حالة الشكوى اللجوء إلى قضاء الولاية ومحكمتها العليا، والتى لا توجد محكمة تفوقها إلا المحكمة الدستورية (الفيدرالية) العليا. «المجمع الانتخابى» هو الذى تجتمع عنده تصويت الولاية على الرئيس المنتخب حسبما لديها من أعضاء فى مجلس النواب، أى حسب عدد سكانها.

تاريخ الولايات المتحدة يشهد على أن هذا النظام الانتخابى توصل إلى انتخاب ٤٦ رئيسًا من جورج واشنطن وحتى جوزيف بايدن؛ ولكنه أيضًا وبوسائل دستورية قام بإقرار ٢٧ تعديلًا دستوريًّا سمحت باستقرار النظام، وتحقيق نوع من التوافق حول القضايا الأساسية للسياسات الداخلية والخارجية. ولكن الأمر لم يَخْلُ من الانقسام الذى أدى إلى الحرب الأهلية (١٨٦٠- ١٨٦٥)، وبعد ما يقرب من قرن من التوافق، فإن الانقسام بدأ يأخذ طريقه إلى الساحة الانتخابية، وكانت أولى طلائعه الانتخابات التى جرت فى نهاية القرن العشرين بين آل جور الديمقراطى، وجورج بوش الابن الجمهورى. فاز الأخير بمنصب الرئيس الثالث والأربعين بعد المقاضاة بشأن عد الأصوات فى ولاية فلوريدا؛ ولكن الأزمة الكبرى جاءت مع دونالد ترامب، وتشكيكه أثناء حملته الانتخابية الأولى ٢٠١٦ بأن الديمقراطيين يزورون الانتخابات. ورغم فوزه فإنه بعد هزيمته فى الانتخابات التالية رفض نتائجها وحرض أنصاره على مقاومتها، وفى المعركة الرئاسية الحالية فإنه ونائبه مصممان على أنهما لن يسلما بنتائج الانتخابات إذا لم تكن فى صالحهما. الأمريكيون لم يصلوا إلى علاج لهذه القضية بعد!.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمام صناديق الاقتراع أمام صناديق الاقتراع



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab