بقلم : عبد المنعم سعيد
الازدحام لم يكن فى مؤتمر أو فى طابور الدخول إلى مسرحية أو فيلم أو فى استاد لكرة القدم؛ أو أية مناسبة أخرى يأتى لها الجمع ويقف أمام عتباتها مشدوها تجذبه اللوحات ومشهد القادمين فى لهفة وعيون لا تدرى عما إذا كانت قادمة من أجل الفن أو لقاء من لا يلتقون إلا فى مناسبة مثل هذه. كانت الأستاذة سناء البيسى قد كرمتنى بدعوتى، وزوجتى، لحضور معرضها الذى لم أسعد به من قبل؛ والحقيقة أننى لم أكن أعرف بفنها التشكيلى إلا فى السنوات الأخيرة رغم زمالتنا فى الأهرام الغراء منذ عام 1975.
كانت من هؤلاء الذين يُعجب بهم فى القدوم والرواح، مرة لمهارتها الصحفية التى تجلت فى المجلة الرائدة «نصف الدنيا»، ومرة عندما دخلت إلى نقابة الصحفيين، والمرة الدائمة عندما تكتب مقالات موسوعية، التى رغم كثافتها فإنها أشبه بالنسيج الفنى الذى لا يتوقف عن مفاجأتك كلما انتقلت من فقرة إلى أخرى؛ وكلما انتقلت من الأدب إلى الفنون إلى الإسلاميات والقصص.
الفن التشكيلى كان أمرا آخر، أولًا لأننى لا أستوعبه كثيرًا خاصة فى أثوابهِ الحديثة، ولم يكن ممتعا لى إلا تلك الأعمال الفنية التى قام بها السابقون، حيث فان جوخ ومونيه وبيكاسو ومحمود سعيد الذين زرت معارضهم فى الخارج؛ وعلى مدى عامين زاملتنى فى مكتبى رئيسا لمجلس إدارة الأهرام لوحة «ذات العيون العسلية» للأخير.
الاحتفاء هذه المرة، ودون اتفاق سابق، كان عن تلك القوة الناعمة المصرية التى تجمع فيها أهل الفن والأدب والصحافة. «القوة» فى كافة أشكالها الصلبة والخشنة والناعمة والذكية هى صميم عمل دارس «السياسة»، الذى ليس فيها من الفن إلا التعليق على الحرب والسلام، والثورة فى صعودها وإحباطها، والفنُ فيها هو إدارة الحاضر والمستقبل. لم أصدق نفسى عند التأمل فى لوحات القديرة، أنها فى تشكيلاتها وألوانها تنبض بقدر هائل من الجماهير والألوان المزدحمة والملامح المتداخلة وكأنها تشى بالمجال الإنسانى فى حيويته وانفعاله، وفى فجوره وتقواه.
عندما سألتها بين الجمع المتكالب أننى لم أكن أعرف بفنها، قالت إنه المجال الذى أمارس فيه حريتى. لمعت العين عند استعادة لحظات متعة بارقة؛ اللحظة كانت مدهشة لأن الشخصية قفزت فيها إلى المقدمة، عابرة عالم كامل من دنيا الفن استمرت لأكثر من نصف قرن، جُرى عبوره بقدر هائل من الحيوية تظهر فى ألوان صريحة؛ وشخصيات متزاحمة، وحتى السنوات الأخيرة، حيث تتراجع الجموع ويقفز إلى المقدمة بشر متميز أو حصان كانت تستمتع به. ما يبدو كان التعبير عن الصخب فى دنيا دافئة وديناميكية لا تتوقف عن الخفقان حتى عندما يكون التعبير قادما من حياة عاش فيها الإنسان فى الكهوف، حيث الخيال يربط اللون الأسود بالذهبى، فيها غنى الوجود وسط الوحشة. تحية للسيدة الجليلة وللجمع الكبير الذى التف حولها، رافعا علم قدرة مصرية نبيلة وعظيمة.