الثورة التكنولوجية الجديدة

الثورة التكنولوجية الجديدة

الثورة التكنولوجية الجديدة

 العرب اليوم -

الثورة التكنولوجية الجديدة

بقلم - عبد المنعم سعيد

قبل أسبوع نشرت وسائل الإعلام العالمية صورة بديعة لكرة زجاجية عظمى عليها كل علامات وألوان شركة «أبل»، مبشرةً بوجود أول مقر عائم للبيع للشركة في ميناء سنغافورة؛ يضاف إلى ثلاثة مقرات مماثلة أخرى على الأرض.

المدهش أنه في يوم الإعلان نفسه كنت قد وصلت إلى مدينة هيوستن الأميركية لاكتشف أن محال البيع الثلاثة - والزجاجية أيضاً - على الأرض مغلقة تماماً. مع إضافة تطورات أخرى يقع في مقدمتها أن شركة «أبل» قد حققت رقماً جديداً في قيمتها وهو تريليونين من الدولارات. قبل عامين فقط وفي يوم الأحد 12 أغسطس (آب) 2018 نشرت مقالاً في صحيفة «المصري اليوم» الغراء بعنوان «تريليون دولار أبل؟!» احتفيت فيه بوصولها إلى هذه القيمة المذهلة، وفي إشارة بالوقت ذاته إلى الشركات الأخرى التي تقترب من هذا السقف الجديد من الثروة، وكانت «أمازون» و«مايكروسوفت» و«غوغل» (ألفابيت). بعد عامين فقط كانت هذه الشركات قد حققت الهدف المشار إليه وأكثر من ذلك بدأت «أبل» تقود الطريق إلى التريليون الثاني. احتاجت الشركة العملاقة إلى بضعة عقود حتى تصل إلى التريليون الأول وعامين فقط حتى تصل إلى الثاني. قبل عامين كانت شركة «أبل» تفوق قيمتها قيمة البنوك الخمسة الأوائل في الولايات المتحدة، وقيمة جميع شركات السيارات الرئيسية في الدنيا كلها، وقيمة شركات السلاح المعروفة في أميركا، وجميع شركات الإعلام الأميركية الكبرى. ومع نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة بعد الميلاد استقر الأمر تدريجياً للشركات الرقمية وقيمتها الحقيقية، أنها تمثل ثورة في قوى الإنتاج لن تقل في تأثيراتها على الجنس البشري عن الثورة الزراعية التي بدأت في مصر والعراق، والثورات الصناعية التي بدأت في أوروبا وشمال أميركا. «أبل» غيّرت الجنس البشري؛ ليس فقط لأنها مع غيرها من الشركات المماثلة قدمت الكومبيوتر الشخصي وما تفرع عنه من منتجات واتصالات، وإنما قدمت الثورة في «الذكاء» للإنسان أو في الآلة أو في العلاقة بينهم.
هذا المقال بالطبع ليس هدفه الترويج لشركة «أبل»، ولا حزناً على اختفائها من الولايات المتحدة، وإنما كيف أنه وسط كل ما حدث خلال العام الحالي (2020) والتي كان العالم فيها دائخاً من تطورات أزمة «كورونا»، فإنَّ آخرين كانوا يأخذون البشرية كلها في اتجاهات أخرى جديدة ومبدعة. لاحظ هنا أن شركة «أبل» لا تملك لا آباراً للبترول أو الغاز أو مناجم للماس أو الذهب أو الحديد أو النحاس أو اليورانيوم. وللعلم، فإن الشركة التي كانت في الأصل تنتج أنواعاً من الحاسبات (الكومبيوتر)، فإن مصدر ثروتها الأساسية الآن هو «دكان أبل» الافتراضي الذي يستحوذ على مبيعات 80 في المائة من التطبيقات التي تستخدم على التليفون المحمول؛ أما في الموسيقى فإنها تستحوذ على الثلث. شركة «غوغل» لديها الآلة التي من خلالها يمر 9 من كل 10 مستخدمين؛ وعلى «فيسبوك» يوجد ثلاثة مليارات من البشر؛ و«أمازون» حازت وحدها نصف كل ما ينفقه الأميركيون على الشراء الإلكتروني، هي بالتأكيد أكبر سوق عرفتها البشرية. المدهش الآن أن «أبل» تبدأ طريقها الجديدة في العقد الحالي بعملية تجديد واسعة لا أحد يعلم إلى أين تقودنا، والمرجح أنه لن يمضي وقت طويل من الآن حتى تظهر واحدة من مفاجآتها، إما على شكل تجديد غير مسبوق في واحد من منتجاتها، أو تخرج علينا بمنتج جديد لم تعرفه الدنيا من قبل. التقارير الصحافية عما تفعله «أبل» هذه الأيام تقول إنها تسير في ثلاثة اتجاهات: أولها أن تقوم الشركة بالعمليات كافة التي تحتاج إليها من دون اعتماد على شركات أخرى مثل «إنتل» أو «سامسونغ» بالاستحواذ على ما تستطيع أو تنتج ذاتها التطبيقات المطلوبة. وثانيها أن تطبيقاتها وأجهزتها كافة سوف تكون مناسبة تماماً للعمل في ظل المنظومة الاتصالية الجديدة G5. وثالثها أن «أبل» بالفعل «عالمية» وجمهورها العالم. المقر العائم في سنغافورة ربما يكون إشارة إلى شكل عالم جديد تكون فيه الدول «الصغرى» هي الأكثر أهمية في العالم. في الماضي كانت هذه الدول مقراً شائعاً للبنوك التي تقوم بأعمال مريبة، لكنها الآن لديها الفرصة لكي تكون مقراً لشركات كل ما تحتاج إليه منطقة سيادية تسمح لها بالعمل والإنتاج والتصدير. لم تعد لا الولايات المتحدة ولا الصين بالضرورة مقراً مفضلاً.
صورة «أبل» الجديدة (لا أدري عما إذا كان مناسباً استعمال كلمة الجديدة مع الشركة لأنها دائمة التجدد) ربما تكون معبرة عن ظاهرة أوسع بكثير مما تبدو عليه. جوهر ما يحدث وسط الأزمة العالمية العظمى للفيروس التاجي، والتي يبدو فيها سباقاً كان كبيراً ومحموماً بين فيروس تضاعفت مع الزمن قدرته على العدوى والانتشار؛ وما بين قدرات الشركات الرقمية، وفي المقدمة منها الشركة المذكورة ليس فقط على مضاعفة ثرواتها، وبالطبع ثروات أصحابها المساهمين فيها، وإنما قدراتها من حيث السرعة والاتساع والتخزين والاستحواذ على الشركات الأصغر حجماً ولكنها لا تقل موهبة. ورغم كل الحديث الدائر عن «نهاية العولمة» الذي ظهر مع أزمات كثيرة عالمية صحية ليس لها مثيل منذ الوباء الإسباني (1918 - 1922)، واقتصادية أكثر قسوة من كساد الثلاثينات من القرن الماضي؛ فإن الثابت أن الحركة نحو العولمة لم تتوقف عملياً وظلت التكنولوجيات الجديدة تصب في أشرعتها لكي تبحر ليس فقط في مياه سنغافورة، وإنما في مياه العالم.
في بداية أزمة «كورونا» انشغلنا مع آخرين في هذا المقام بالتساؤل حول عما إذا كان العالم قد تغير منقلباً رأساً على عقب؛ أو أن الحالة كاشفة عن تغيرات عميقة جارية وقع صعود الصين في المقدمة منها. ولكن ربما يكون الواقع فيه ما هو أكثر من هذا وذاك، وليس صدفة أن هذه الشركات مثل «أمازون» أو «تسيلا» لم تعد تكتفي بالكرة الأرضية، فالأولى بدأت السعي لخلق محطة فضائية على سطح القمر، والأخرى بدأت في إنشاء سفن فضاء للسياحة خارج الأرض بين الكواكب. وما بين الأرض والسماء، فإن هناك الكثير من عمليات البحث والتطوير وإنتاج منتجات سوف تجعل البشرية أفضل حالاً؛ وربما كان باكورتها هي إنتاج السيارات الكهربائية من دون سائق. ومن درسوا الماركسية لا بد أنهم عرفوا أن القوى المحركة للتاريخ ليس صراع الطبقات فهذه نتيجة، وإنما تلك الأدوات والقوى والمحركات التي تقود إلى التصنيف الاجتماعي ما بين طبقات وأمم. ماذا سوف تفعل الثورة الجديدة بنا؟  
arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثورة التكنولوجية الجديدة الثورة التكنولوجية الجديدة



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 03:23 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

أنتوني بلينكن يكشف عن خطة "تشمل قرارات صعبة" لغزة بعد الحرب
 العرب اليوم - أنتوني بلينكن يكشف عن خطة "تشمل قرارات صعبة" لغزة بعد الحرب

GMT 14:03 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

رانيا يوسف تكشف طريقة دخولها مجال الفن
 العرب اليوم - رانيا يوسف تكشف طريقة دخولها مجال الفن

GMT 10:46 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 12:08 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

مصرع شخصين بسبب انهيار جليدي بجنوب شرق فرنسا

GMT 05:30 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

زلزال جديد بقوة 4.3 درجة يضرب إثيوبيا

GMT 03:15 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

السلطات الأميركية تطالب بإخلاء 85 ألف شخص في لوس أنجلوس

GMT 03:00 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

تفعيل حالة التأهب الجوي في 10 مقاطعات أوكرانية

GMT 11:43 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

لوهافر يعلن رسميا ضم أحمد حسن كوكا لنهاية الموسم الحالى

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

بلو أوريجين تؤجل إطلاق صاروخها الجديد لمشكلة فنية

GMT 03:06 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

مقتل 8 أشخاص بسبب تفشي فيروس ماربورغ في تنزانيا

GMT 03:09 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الاتحاد الأوروبي يخطط لفرض عقوبات على سفن نفطية روسية

GMT 11:28 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

كاف يكشف عن شعار وكأس بطولة أمم أفريقيا للمحليين 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab