بقلم: عبد المنعم سعيد
سواء كان التقدم المصرى فى منتصف القرن 2050 أو فى ثلاثة أرباعه 2075 فإنه لا يكتمل دون الإدراك لحقائق وعلاقات الواقع الذى يعيش فيه بكل ما فيه من مدركات مادية ومعنوية. الأطفال يبدأون دوما بحقائق بسيطة تزداد تعقيدا مع الزمن حتى تتجاوز الأسرة إلى المجتمع والعالم؛ وكذلك حال الأمم التى تنضج مع الحداثة التى تستوعب الأدوات والعلاقات من خلال تقاليد ومؤسسات وتوزيع الوظائف التى تحقق البقاء والتقدم. الوعى هكذا يتطلب نوعيات مختلفة من «المحتوى» الذى يختلف فى حالة الفقر والتخلف عنه فى حالة الغنى والتقدم الذى تنتقل فيه مراتب الأمم، فلا تذكر مصر فى مراتب متقدمة، وإنما عبر الجهد والعمل تظهر فى الترتيب السابع بعد نصف قرن. ولكن هذا الزمن يبدأ الآن وعندما ينتقل سكان العشوائيات فى حى البساتين الذى يقع فى حضن المقابر فى القاهرة القديمة إلى المساكن الحديثة على طريق صلاح سالم فإنهم يدخلون مرحلة جديدة من العيش فى سكن حديث. ولكن واقع «الحداثة» يظل متخلفا مادام الإدراك للتغيير قاصرا ويظهر فى مشاهد البلكونات، وعندما تتم سرقة أجزاء من الأسوار، ولا تكتمل نظافة الطريق.
قبل عقود قرأت مقالا عن كوريا الجنوبية وكانت وقتها فى المكانة التاسعة بين الدول الصناعية فى العالم؛ ونعى فيه الكاتب أن ثروة الدولة لا تكفى لكى تجعلها حديثة أو متقدمة ما لم تتغير تقاليد العلاقة بين أولياء الأمور والمدرسين والتى تقوم على النفاق من أجل الاهتمام بالتلميذ أو استخدام الواسطة لدخوله المدرسة، وحتى رشوة المُدرس أو المُدرسة بالهدايا فى أعياد الميلاد. القصة هنا ليست الجريمة، وإنما التقاليد التى تحتاج إلى تغيير لتحقيق مجتمع أكثر كفاءة، وأكثر حداثة وتقدما من ناحية أخري. التطبيق فى مصر مطلوب من خلال تعليم الحقوق والواجبات، وتكرارها من خلال أدوات إعلامية وفنية لا تكتفى بتحديث الأبنية والاستوديوهات وإنما تدخل مع ذلك فى صميم موضوع التقدم.
نقلا عن الأهرام