ليس لنا إلا أنفسنا

ليس لنا إلا أنفسنا

ليس لنا إلا أنفسنا

 العرب اليوم -

ليس لنا إلا أنفسنا

بقلم: عبد المنعم سعيد

فى كل مرة تجرى فيها الانتخابات الأمريكية فإن الرأى العام المصرى والعربى ومعه تهتم النخبة الثقافية والفكرية بالمرشحين للرئاسة، فيكون الفرز على أسس من العائد الذى يعود علينا. وعادة، فإن هناك من بيننا كثرة ترى أنه لا توجد فائدة تُذكر من هذا أو ذاك؛ وعندما يستقر العدد على المرشحين الجمهورى والديمقراطى، فإن تعبير أن كليهما وجهان لعملة واحدة سوف يكون هو السائد. مثل ذلك لا يدفع الاهتمام إلى الخلف، وإنما يستمر التحليل، خاصة إذا ما كانت المعركة الانتخابية مثيرة وحافلة بالاحتمالات، ولكنها تنتهى بالمفاجأة التى أتت بدونالد ترامب- الرئيس الخامس والأربعين- لكى يحمل لقب الرئيس السابع والأربعين. قال الشعب الأمريكى كلمته، وتحمل المسؤولية، واختار الرجل الذى يحمل على أكتافه ٣٤ جنحة؛ وقائمة طويلة من الجنايات. المدعى العام السابق أثناء رئاسة ترامب الأولى، «بيل بار»، دعا إلى إسقاط كل التهم القائمة على الرئيس المنتخب «مادام الشعب قال كلمته»؛ وما اختارته الجماهير رئيسًا للسلطة التنفيذية فى البلاد لا يجوز للسلطة القضائية استنادًا إلى مبدأ الفصل بين السلطات منعه، وهو رئيس منتخب توًّا، من الذهاب إلى البيت الأبيض.

لا أدرى ما إذا كان ذلك يحمل أثقالًا دستورية أم لا، ولكن الأمر البارز هنا هو أن ذلك ربما يهم الأمريكيين، أما نحن فإن علينا أن نحمل قضايانا على أكتافنا، وهى معقدة وثقيلة. وعلى مدى أكثر من عام عاشت المنطقة العربية حالة من الأزمة المحكمة نتجت عنها حالة من الاشتعال الحربى، وكانت شرارتها الهجوم الذى قام به تنظيم حماس الفلسطينى على غلاف غزة فى عملية أفضت إلى مقتل ١٢٠٠ إسرائيلى واختطاف ٢٥٠ من الإسرائيليين وأصحاب الجنسيات المزدوجة. الحدث ترتبت عليه حالة من الاندفاع الإسرائيلى أدت إلى تدمير قطاع غزة بكامله، حضرًا وقرى ومؤسسات رسمية وأحياء ممتلئة بالبشر، بلغ القتلى منهم ٤٣ ألفًا، ثلثاهم من النساء والأطفال، ونزوح قرابة ١.٩ مليون نسمة داخل القطاع، حسب التقدم فى القوات الإسرائيلية، والتغيرات فى أماكن تمركزها، ومتابعتها ومطاردتها لقوات حماس وتابعيها من التنظيمات الفلسطينية الأخرى. عبر العام، تحرك الحدث من كونه مواجهة فلسطينية إسرائيلية عنيفة، على عكس سابقاتها، فامتدت لكى تشمل الجبهات اللبنانية والسورية والعراقية واليمنية، وهى جبهات انطلقت منها الصواريخ والطائرات المسيرة لمساندة الجبهة الفلسطينية، فى إطار ما هو معروف باسم وحدة الساحات. الساحات الموحدة هذه كانت دائمًا على علاقة وثيقة مع إيران تنظيمًا وتسليحًا وتمويلًا، فباتت حرب غزة الخامسة متسمة ببعد نووى يخص العلاقات الأمريكية الإيرانية. البُعد الآخر أن «وحدة الساحات» وما تلاها من «وحدة المساندة» تمثل فى حرب تجاوزت الدول إلى تنظيمات عسكرية بينها وبين إيران تناغم أيديولوجى حول الدور الخاص للدين الإسلامى فى السياسة والحكم والحرب أيضًا. عمليًّا أخذت الحرب شكلًا إقليميًّا عصبه الرئيسى إقليميًّا هو ما سُمى محور «المقاومة والممانعة» الذى يدور نظريًّا حول الصراع العربى الإسرائيلى والقضية الفلسطينية والموقف الخاص بالاحتلال الإسرائيلى لفلسطين منذ عامى ١٩٤٨و١٩٦٧.

وعندما اشتعلت حرب غزة الخامسة لم يكن الإقليم العربى والشرق أوسطى فى عمومه يعيش حالة سكون، حيث تسبب «الربيع العربى» فى أمور تتعلق بالمحيط الجيوسياسى فى المنطقة، أولها أن «الربيع» تسبب فى حالة من الخلخلة الإقليمية الشرق أوسطية للإقليم العربى، حيث وجدت القوى الإقليمية- إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا- فى فرصة الفوضى والضعف طريقًا لتحقيق أهدافها الجيواستراتيجية. وثانيها تقسيم الإقليم بين هؤلاء الذين يريدون السلام والاستقرار اللذين هما شرطان للتنمية؛ وهؤلاء الذين يعارضون السلام والاستقرار بسبب التاريخ أو الدين أو عدم الرغبة أو وجود المصلحة فى التنمية. والثالث أن هناك حربًا صريحة أو ضمنية تجرى بين الطرفين. إن العمل الأساسى فى الشرق الأوسط الآن هو تشجيع الدول على أن تصل إلى السلام اعتمادًا على نفسها، مع حرمان القوى الراديكالية من إفساد هذا الجهد.

الحروب الكبرى فى التاريخ بكل ما فيها من تدمير وضحايا طرحت دائمًا فى أعقابها فرصة لإعادة البناء وخلق المؤسسات والمبادرات التى تمنع الحرب من التكرار. «المشروع العربى» للاعتماد على الذات بدأت أولى خطواته مع مبادرة القاهرة لعقد مؤتمر دولى للسلام فى ٢١ أكتوبر ٢٠٢٣. ورغم أن المؤتمر الدولى لم يُفْضِ إلى بيان مشترك، فإن الدول العربية التسع التى تسير مسيرة الإصلاح العربى أصدرت بيانًا قضى أولًا بإدانة قتل المدنيين على الجانبين، وثانيًا السعى من أجل وقف إطلاق النار، وهو ما سعت إليه كل من مصر وقطر، باعتبارهما وسيطين مع الولايات المتحدة، وثالثها تقديم المعونة الكافية للشعب الفلسطينى وإعادة بناء ما دُمر فى غزة، ورابعها السعى نحو إقامة سلام عادل مع إسرائيل قائم على حل الدولتين: إسرائيل وفلسطين. ومن الملاحظ أنه فى مجموعة الدول التسع هذه توجد ست دول ذات علاقات سلام مع إسرائيل وتبادل العلاقات الدبلوماسية؛ وثلاث دول أخرى إما كانت الأوضاع بها جارية للتطبيع مع إسرائيل (المملكة العربية السعودية) ودولتان لديهما علاقات خاصة مع إسرائيل: عمان وقطر. الدول التسع نجت من «الربيع العربى» وآثاره التدميرية، كما أنها جميعًا شرعت فى المسيرة الإصلاحية لعمليات التحديث والتقدم؛ ونتيجة ذلك كله هى أنها ساعية بقوة لتحقيق الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط. الدول التسع على هذا النحو مهيأة، بل هى ملتزمة إزاء مسارها الإصلاحى الداخلى بالسعى نحو قيام منظومة عربية جديدة ظهرت من خلال مبادرة المملكة العربية السعودية لإنشاء التحالف الدولى من أجل حل الدولتين. كما ظهرت فى حالات مختلفة من التفاعل الاقتصادى ظهر فى إنشاء مجلس التنسيق المصرى السعودى.

لا جدال أن جوهر المنظومة الجديدة القائمة على السلام والتنمية، على عكس ما كان عليه الحال فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، هو العلاقات المصرية السعودية، بما فيها من سياسة بين القادة وحركة العيش بين الشعبين. هذه المرة فإن المنظومة العربية أو الائتلاف العربى Concert of Arabia يمتد إلى كل الدول المشار إليها من قبل، وكلها تعيش ذات الحالة من الإصلاح الاقتصادى الجوهرى، ونفس الرغبة فى اللحاق بالعصر. هذه الملامح لم تكن جزءًا من العروبة القديمة التى تكسرت بسبب التنافس المصرى السعودى، والتناقض بين الاشتراكية والرجعية، وتقديم الصراع العربى الإسرائيلى على كل القضايا الأخرى. الآن فإن كل الصراعات والتناقضات توضع فى حجمها، ولا تقيد عملية نسج العلاقات والتشابكات السياحية والصناعية والشعبية مع نفحة متفائلة. وعمليًّا فإن ذلك يخلق ائتلافًا عربيًّا لا يقوم على العواطف وإنما على بناء مصالح مشتركة، من بينها تلك ذات الطبيعة الاستراتيجية للتعامل مع دول الجوار على ذات الأسس من المصالح المشتركة وكذلك حل القضايا المعلقة من أول الصراع العربى الإسرائيلى وحتى الخلافات الإيرانية مع دول الخليج.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس لنا إلا أنفسنا ليس لنا إلا أنفسنا



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab