تحرير رغيف الخبز

تحرير رغيف الخبز!

تحرير رغيف الخبز!

 العرب اليوم -

تحرير رغيف الخبز

بقلم - عبد المنعم سعيد

ما إن تفتح موضوع دعم رغيف العيش، إلا وسوف تستمع إلى محاضرة طويلة حول مركزية رغيف «العيش» للإنسان المصرى، الذى كما هى العادة فى مثل هذه الأمور يصير حالة خاصة، لا تسبقه سابقة، ولا تلحقه لاحقة. سوف يتم التأكيد على أن «العيش» كرغيف يعنى «الحياة» بالنسبة للمصريين؛ ولا بأس من طرح حكمة تقول «عض جيبى ولا تعض رغيفى». وفى كل الأحوال لن يكون المستمع مستعدًا للتساؤل عما إذا كانت هناك دول أخرى فى العالم تتبنى مثل النظام الذى اتبعناه لأن المقاطعة فى الكلام سوف تأتى بأن المصريين، وخاصة فى هذا الموضوع، لا يشبههم شعب آخر. وبغض النظر عن التفاصيل والألفاظ المستخدمة، فإن خطاب رغيف العيش لن يختلف أبدًا عن الخطب السابقة فى كثير من الموضوعات التى شكّل فيها المصريون حالة استثنائية، من أول نسبة النصف فى المائة للعمال والفلاحين فى المجالس المنتخبة، وامتحانات الثانوية العامة، وتعدد أسعار صرف الجنيه، وإيجارات المساكن القديمة وغيرها من أمور تركز على أن ما يسرى على كل شعوب الأرض لا يسرى علينا. كانت النتيجة دائمًا هى أن تبقى الأمور على ما هى عليه، أو هكذا يريد القوم لأن هناك خوفًا قوميًا من المجهول والجديد ومن تبعية لعالم مختلف إما متخلفًا عنّا ولا نريد الهبوط إلى هاويته، أو راقيًا بالنسبة لنا يرتفع حتى يخدش وجه السماء، وهو فى هذه الحالة ليس منّا.

 

مثل هذا الخطاب يتضمن دائمًا نوعًا من التهديد الخفى بأن التغيير سوف يعنى نتائج وخيمة على صاحب الاقتراح والدولة فى مجموعها، ولا بأس هنا من التذكير بمظاهرات الخبز التى جرت فى ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧.

الحقيقة هى أنه مهما كانت «الخصوصية» التى يجرى الحديث عنها، فإن الواقع المصرى قد تغير عن هذه الحالة الاستثنائية المفروضة على شعب مصر. تجربة السنوات الثمانى الماضية تشهد أنه من الممكن أن تكون العملة المصرية مثل كل العملات الأخرى فى العالم، وأن الإنسان المصرى ليس مغرمًا كثيرًا بالعشوائيات وأنه يمكن أن يعيش فى مناطق حديثة ورحبة، وهو ممتعض امتعاضًا شديدًا من نظام الثانوية العامة ولذلك يبحث لأولاده عن نظم أخرى، كما أنه قام باختراع وسائل خاصة لتملُّك السكن جعلت فى بر مصر ملايين الشقق الجديدة. التجربة التى عشناها خلال هذه الفترة تقدم الشهادة على أن المصريين يريدون أن يكونوا جزءًا من عصرهم، يستلهمون روح التقدم من حيث تأتى مع ثقة كافية فى النفس تجعلهم يعرفون أن بصمتهم التاريخية سوف تظل لامعة. وجزء من هذا العصر يعرفه المصريون جيدًا، وهو أنه منذ وحّد «مينا نارمر» القطرين، وربما قبل ذلك بآلاف السنين، عرف المصريون أنواعًا كثيرة من الخبز، صنعوه كثيرًا من الشعير، ومن الذرة، ومن القمح؛ وخلقوا منها أشكالًا رائعة من «البتاو» و«العيش الشمسى» ورقائق الخبز التى تؤكل مسكرة ومالحة. قبل تأميم الخبز وتولى الدولة أمره فى عقد الستينيات من القرن العشرين، ومنذ فجر التاريخ، ظل الخبز قضية عائلية تخص الأسرة المصرية. الأكبر عمرًا من المصريين يعرفون جيدًا كيف كانت تُدار عملية «الخبز» و«الخبيز» فى مصر، وكيف كانت خلطة الدقيق مع الخميرة تعطى من رائحة زكية وشبع. ومَن عاشوا فى الريف المصرى خلال الخمسينيات يعرفون جيدًا أن رحلة رغيف الخبز كانت تبدأ من الحقول عندما يتم جنى الذرة أو القمح، ويجرى غسله، ثم بعد ذلك يذهب إلى المطاحن التى كانت قريبة، ثم يخرج منها وقد جرى تصنيفه أنواعًا ممتدة من الأكثر بياضًا حتى «الردّة»، وكلها كانت لها أشكالها من الخبز والحلوى.

 

 

فى حديث قريب لدولة رئيس الوزراء، د. مصطفى مدبولى، شارحًا تمويل عمليات التنمية الجارية، أوضح أنه عندما تم رفع دعم الطاقة جرى توفير ١٣٠ مليار جنيه ذهبت جميعها إلى المشروعات التنموية المصرية.

 

 

كان الاختيار هنا هو مستقبل مصر كدولة قوية وعفِيّة ومتقدمة وعصرية بدلًا من راحة مؤقتة لنفط رخيص على المواطن، ولكنه يُبقى كل الأمور على ما هى عليه من فقر. ذات الأمر حدث فى مجالات شتى، فلم يكن مشروع قناة السويس الجديدة واكتتاب المصريين فيه لصالح زيادة تنافسية القناة فقط، وإنما تنمية محور القناة كله، ولا تحتاج البرهنة على ذلك أكثر من زيارة لمنطقة على بُعد ساعة واحدة من القاهرة. تحرير رغيف الخبز من التحكم الحكومى هو تحرير للاقتصاد المصرى وإطلاق للطاقات الكامنة فيه كما حدث حتى الآن فى كل عملية تحرير للثروات المصرية نقوم بها.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحرير رغيف الخبز تحرير رغيف الخبز



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - مودريتش يوجه رسالة دعم خاصة لمبابي عقب الهزيمة أمام ليفربول

GMT 09:17 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية لتحسين وظائف الكلى ودعم تطهيرها بطرق آمنة
 العرب اليوم - فواكه طبيعية لتحسين وظائف الكلى ودعم تطهيرها بطرق آمنة

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:52 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا EV3 تحصد لقب أفضل سيارة كروس أوفر في جوائز Top Gear لعام 2024
 العرب اليوم - كيا EV3 تحصد لقب أفضل سيارة كروس أوفر في جوائز Top Gear لعام 2024

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab