بقلم : عبد المنعم سعيد
هل يمكن للعالم أن يعود إلى الوراء؛ وهل يعود إلى القرن التاسع عشر، وخلق مجموعة من الدول العظمى تقع تشكل حالة استعمارية تفرق الأرض وتستغل الطاقة وتوزع الأسواق؛ وباختصار هل يمكن لتفكير الرئيس ترامب الذى أشرنا له أمس بالسعى نحو منظومة من هذا النوع التحول إلى واقع؟ الأصل فى الموضوع أن الإنسان لا ينزل فى نفس النهر مرتين؛ وعملية الجدل التاريخية الآن تختلف كثيرا عن القرن التاسع عشر الذى كان خارجا بمطلع الثورة الصناعية الأولى فى أوروبا وشمال أمريكا مع عالم مظلم بالتخلف يجاهد للخروج من عصور سابقة. على مدى قرن حاول الرجل الأبيض أن يخلق لنفسه رسالة تبرر ما سوف يقوم به من وحشية؛ ويكوّن فارقا علميا وتكنولوجيا وتراكما رأسماليا أعطاه الريادة طوال القرن العشرين. الحالة فى القرن الحادى والعشرين مختلفة، وفى ربعه الأول تعددت هزائم القوة العظمى الأولى فى أفغانستان والعراق، وما ظهر من حدود على قدرة القوة العظمى الثانية فى حربها مع أوكرانيا، والصين وحدها تخلق نموذجا جديدا للدولة العظمى ليس لديه شوق كبير للسيادة العالمية، وفيما عدا تايوان واستقرار هونج كونج يكفيه البقاء داخل «المملكة الوسطي» التى يأتى لها العالم ولا تذهب إليه.
القوى الوسطى مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل انتزعت لنفسها قدرا غير قليل من الطاقة، ودخلت فى السباق التكنولوجي، وباتت أسواقها مصدر قوة بما لديها من قوة شرائية. التكنولوجيات الجديدة بما فيها الذكاء الاصطناعى ينتشر باتساع العالم، ويجرى ذلك الذى تتحول فيه شركات رقمية إلى حالة تريليونية تتنافس فيما بينها ومع الدول التى تقع عليها فى نفس الوقت. أوروبا هنا حالة وحدها، ورغم اتحادها فإن عزيمتها السياسية فيها من الخوار والتبعية ما يجعلها تعرف التحولات العالمية ولكنها على الأرجح لا تعرف كيف تتعامل معها. الفشل فى التعامل مع الظاهرة الترامبية فيه خسارة كبري؛ وعن حالنا نحن فإن ذلك قصة أخري.