الاغتيال وشرخ البناء الديمقراطي

الاغتيال... وشرخ البناء الديمقراطي

الاغتيال... وشرخ البناء الديمقراطي

 العرب اليوم -

الاغتيال وشرخ البناء الديمقراطي

بقلم: عبد المنعم سعيد

أظن أن القارئ قد تشبّع بتفاصيل محاولة الاغتيال للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ومرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. المؤكد أن معلومات كثيرة أُتيحت عن تاريخ الاغتيالات في الولايات المتحدة من أول إبراهام لينكولن بعد انتصاره في الحرب الأهلية، وحتى الرئيس جون كيندي وأخيه المرشح الرئاسي روبرت كيندي بعد ذلك بقرابة مائة عام.

محاولات الاغتيال كذلك وردت بتفاصيلها السياسية مثل تلك التي تعرّض لها جيرالد فورد، وتلك التي كان محتواها عاطفياً عندما قام جون هينكلي جونيور بإطلاق 6 رصاصات باتجاه الرئيس رونالد ريغان؛ لأنه اعتقد بأن ذلك سوف يثير اهتمام الممثلة جودي فوستر التي أحبها حباً جمّاً. في كل ذلك كان الحدث هو البطل بحيث يصلح بامتياز للأفلام التلفزيونية ولكن ما كان يصلح في السياسة، كما جاء في تعليقات عشرات من الساسة الأميركيين والأوروبيين الذين أصروا على أن العنف لا يليق بالبلدان الديمقراطية. هنا كان النظام فيه من الكمال ما يكفي لكي يستبعد القتل، أو محاولته، وذلك حتى ولو كان الدستور الأميركي يقضي صراحةً بحق حمل السلاح للمواطنين بوصف ذلك الضمانةَ ضد الطغيان، والحق في الثورة المسلحة إذا ما طغى الحاكم وتجبَّر. إشكالية السلاح والديمقراطية لم تناقش أبداً بشكل جدي، وما بقي منها هو محاولات تقييدها بالعلاج النفسي لأنه - كما قيل - السلاح نفسه لا يقتل وإنما إنسان مريض. الأدب حاول حلّ المعضلة من خلال البطولة التي جعلت رواية ستيفن كينغ «22 نوفمبر 63» - هذا هو اسم الرواية - تقضي بأن يعود مسافر عبر الزمن يحاول منع حادث اغتيال كيندي.

ما ظلّت غائبةً تماماً هي علاقة السلاح بالنظام الديمقراطي، حيث إن الدولة تعني في جوهرها الاحتكار الشرعي لحمل السلاح من ناحية، وسيادة القانون من ناحية أخرى، وأن الانتخابات سوف تكفل دائماً الاختيار للمجتمع وليس شخصاً بعينه من ناحية ثالثة. ما حاوله توماس ماثيو كروكس من قتل المرشح الجمهوري دونالد ترمب كان نوعاً من «المُربِكات» للعملية الديمقراطية في أساسها. المدهش هنا أن ذلك هو الذي قام به الرئيس ترمب ليس فقط خلال فترة رئاسته وإنما فيما بعدها أيضاً، بل مع نية ليست مبيتة لإرباكها أكثر ممَّا هي كذلك. جوهر الإرباك هو أن الأصل في الديمقراطية هو التوازن والمنافسة بين المؤسسات والسلطات لخلق الاتزان الذي يكفل مصالح المواطنين.

ترمب جعل الحزب الجمهوري حزباً شخصياً أكثر منه حزباً سياسياً، وأحدث خللاً دائماً في التوازن بين السلطات عندما جعل المحكمة الدستورية العليا احتكاراً على المحافظين (6 إلى 3) بصفة شبه دائمة، وعندما وضع النظام الانتخابي كله موضع الشك، عندما ضغط على العاملين في ولاية جورجيا للتزوير بإضافة أصوات لصالحه، بينما يشكك في نزاهة الانتخابات كلها بتأثير الديمقراطيين. وأكثر من ذلك فإن ترمب كان جاهزاً للتمرد المسلح عندما شجّع وحرّض للهجوم على الكونغرس في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.

لا يغني عن كل ذلك أن كثيراً من أوجه الخلل هذه تقف الآن أمام المحاكم الأميركية، تختلط فيها السياسة مع الأفلام الإباحية وأمور أخلاقية أخرى جرت، بينما ترتفع نسبة التأييد للمرشح المتهم في استطلاعات الرأي العام. هنا نصل إلى نقطة أخرى جوهرية في أزمة الديمقراطية، وتلك الأميركية بشكل خاص، حيث إن النظام الديمقراطي يفترض حالةً من الحكمة الجماعية لدى الشعوب في اختيار مَن يقودها ويمثلها أمام العالم، وهي حالة قابلة للتصحيح في الانتخابات التالية إذا ما ضلّت الأولى عن الصواب. هذا المأزق يجري الآن، فقد اختار الشعب الأميركي الحكيم ترمب، وعندما ضلّ وعجز عن حماية البلاد من جائحة الوباء جرت الإطاحة به وانتُخب بايدن بدلاً منه، والآن فإن الاستطلاعات، ورغم أحكام المحاكم، تشير إلى أن الشعب يتهيأ لانتخاب ترمب مرة أخرى. لم تعد السياسة اختياراً ما بين أحزاب وبرامج ومصالح واضحة وناصعة، ورعاية من مؤسسات تنقي وتفرز وتبحث وتناقش وتحاور. أصبحت العملية الديمقراطية فريسة لحالة من «الشعبوية» يكون فيها الاختيار بين أفراد شيوخ في الحقيقة نجحوا في إقناع أحزابهم بأنه لا بديل لهم، وليس لديهم إلا أمراض الشيخوخة التي لا ترى في بديلها إلا الفاشية، أو أمراض النرجسية التي تعد وتتوعد بالانتقام من كل الخصوم فور توليهم الحكم دون اعتراض ولا مخاصمة داخل الحزب أو خارجه. ما دفع توماس ماثيو كروكس إلى محاولة اغتيال ترمب لم يكن معلوماً وقت كتابة هذا المقال؛ ولكن المؤكد أنه سوف يصلح لفيلم مثير آخر!

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاغتيال وشرخ البناء الديمقراطي الاغتيال وشرخ البناء الديمقراطي



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab