بقلم : عبد المنعم سعيد
سوف أغامر بتصور للنظام العالمى الجديد بنظرية قوامها أن البحوث عن هذا النظام تصورت أنها سوف تكون مختلفة، وغير مسبوقة بسبب التغيرات التكنولوجية؛ ولكن هناك إمكانية لكى يكون النظام القادم هو فى حقيقته عودة إلى ما كان عليه فى القرن التاسع عشر. ما حدث عقب الثورة الفرنسية والحروب النابليونية تكونت مجموعة من الدول بقيادة بريطانيا «العظمى» مضافا لها روسيا وبروسيا (ألمانيا حاليا) والنمسا وفرنسا بعد خلاصها من النوبة الثورية سميت «منظومة أوروبا» أو Concert of Europe. تعاهدت هذه على حفظ السلام فى أوروبا، وهو ما حدث لمائة عام، ثم توزيع مناطق الاستعمار والنفوذ فى العالم. لم تكن الولايات المتحدة فاعلا يعتد به، فقد كانت مشغولة بنتائج الثورة الأمريكية والحرب الأهلية، واكتفى الرئيس «مونرو» بالنفوذ فى أمريكا الجنوبية. الدنيا لم تعد كما كانت وحلت الولايات المتحدة محل بريطانيا العظمى، فقادت حلف الأطلنطى، وكان لها من «العولمة» القدر الأعظم. ولكن الرئيس ترامب رأى التكلفة الكبرى لهذا بعد خوض حروب غير مجدية، تدفع إلى العودة إلى النموذج القديم وهو التوافق بين القوى العظمى.
بعد شهرين من تولى الرئاسة تقريبا فإن أحاديث الرئيس ترامب عن ضم كندا واستعادة قناة بنما وتسمية «خليج المكسيك» «خليج أمريكا» وضم جزيرة «جرينلاند» والتوافق مع القادة المحافظين فى أمريكا الجنوبية وتحويل غزة إلى «ريفييرا» أمريكية؛ كل ذلك فيه سمات ما كان يجرى فى القرن 19. فى هذا النظام فإن الولايات المتحدة تسعى للتوافق مع روسيا والصين، والبداية مع الأولى تكون بعد خلاصها من المأزق الأوكراني؛ ومع الثانية بصفقات تجارية توزع مناطق النفوذ والأسواق. فى هذه الحالة تسقط أوروبا من المعادلة؛ وباقى المناطق يكون لها قائد مناسب مثل الهند فى جنوب آسيا وبعيدا عن الإقليم الصينى، وفى الشرق الأوسط فإن إسرائيل مرشح قوى يسعى هو الآخر إلى سايكس بيكو جديدة، ومن يعلم فربما تكون إيران ضمن هذه المنظومة!