ترامب 1 وترامب 2

ترامب 1 وترامب 2

ترامب 1 وترامب 2

 العرب اليوم -

ترامب 1 وترامب 2

بقلم: عبد المنعم سعيد

أصبح دونالد ترامب حدثًا بمفرده، وقصته سوف تروى كما كان للبارزين من الرؤساء فى التاريخ الأمريكى. ولكنه بالتأكيد ليس جورج واشنطن فى البداية ومن تلاه من رؤساء نبعهم الثورة الأمريكية مثل جون آدامز وتوماس جيفرسون وجيمس ماديسون؛ كما أنه لن يكون إبراهام لينكولن الذى حمى الاتحاد الأمريكى وأعتق العبيد ومن تبعه أوليسيس جرانت الذى قام بعد نصره فى الحرب الأهلية بعملية البناء لما دمرته الحرب؛ وهو ليس وودرو ويلسون الذى قاد أمريكا أثناء الحرب العالمية الأولى، ولا فرانكلين روزفلت الذى قادها بعد الحرب العالمية الثانية. هو بالتأكيد لن يعد من القادة الجمهوريين العظام مثل دوايت أيزنهاور الذى ختم الحرب العالمية وخاض بعدها الحرب الباردة، أو رونالد ريجان وجورج بوش الأب وكلاهما أنهى الحرب الباردة ومن بعدها بيل كلينتون الذى بدأ العولمة الأمريكية. ترامب قصة أخرى أقلها عجبا أنه الثانى فى التاريخ الأمريكى بعد جروفر كليفلاند الديمقراطى فى العقد الأخير من القرن التاسع عشر الذى عاد بعد فترة قضاها، وفترة خرج منها، لكى يكون شاهدًا على قرن خرجت فيه أمريكا من العزلة إلى العالم الفسيح. أيا من ذلك لم يكن لدونالد ترامب فيه نصيب؛ ولكن نصيبه جاء من عصره الذى فيه أدوات التواصل الاجتماعى فكان سبيله «التويتر» فى الفترة الأولى و«X» فى الثانية؛ وفيه كانت عولمة الإنتاج والتوزيع جاذبة للصناعات إلى خارج أصولها الأمريكية والأوروبية. أما عولمة البشر فقد جاءت بالهجرات الكثيفة واللجوء العنيد وكلاهما يصدم بالثقافة والهوية. القوى فى العالم الجديد مثل الولايات المتحدة يجرى «غزوه» من كافة مداخل الحدود، ويحتاج الحماية الجمركية، ولا شأن له بتحالفات مكلفة وغير عادلة فى توزيع الأعباء على المشاركين فيها.

ترامب ٢ قد يكون بداية عصر جديد، أو أنه سوف يمثل بكائية على عصور مضت. حملته الانتخابية فى الفترة الأولى كانت قائمة على نفى قيادات الحزب الجمهورى بسحقها بشخصيته فى جانبها الأوليجاركى أو فى جانبها السوقى. خصومه من الديمقراطيين، هيلارى كلينتون أو كامالا هاريس، وضعت الليبرالية فى قفص الاتهام الذى تحكم فيه جماهير عريضة. أقام الرجل حالة من الشلل العام فيما كان أيقونة انتخابات مضت ظهرت فيها قياسات الرأى العام كما لو كانت ترمومتر قياس حالات صحية تعين الأطباء ويعيش عليها الإعلام؛ وفى الانتخابات الأخيرة كان سقوطها مدويا؛ فلا كانت كامالا هاريس تفوز فى ولاية أيوا، ولا كانت متقدمة ٣٪ فى المتوسط العام لاستطلاعات الرأى العامة على الشعب الأمريكى. ترامب كان ممثلا حالة من التشويش على وسائل القياس خلقت منها عجزا وفشلا، بينما كان هو سائرا فى ثبات عجيب. ما كان سائدا عنه أنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وعباراته وأقواله وحركاته فى المعركة الانتخابية الأولى، وظهرت كلها خلال فترته التالية من أول تشكيلة الفريق الانتقالى للسلطة، حتى خرج من البيت الأبيض دون أن يصافح رئيسا أو يسلم سلطة؛ وقبل أيام من الخروج كان قد أشعل النار فى مبنى الكونجرس، قدس أقداس النظام السياسى الأمريكى. ومن عجب أنه عاد مرة أخرى مختلفًا عما كان، ولديه القدرة على تكوين طاقم انتقالى فعال، ومعها اختيارات فريق الحكم الأمريكى خلال السنوات الأربع الماضية. العالم من حقه أن يسخط على اختياراته، ولكن الجديد فى الأمر أنه اختار، واتخذ القرار، ومن أتى بهم يتلائمون تماما مع فكره، ولهم ولاء فى شخصه، ولكن أحدا منهم لن يخرج عليه وينتج كتابا يعدد فيها مثالية.

على كثرة الفوضى وعدم القدرة على التنبؤ فى الولاية الأولى فإن الولاية الثانية مشهدها الأول لدى كثيرين من الكتاب الأمريكيين مثل «فرانسيس فوكوياما» و«ستيفن والت» هو إشهار موت سيطرة الليبرالية الأمريكية على الحياة والمجتمع والدولة. تكسرت أقداس كثيرة وقع فى مقدمتها سقوط المرأة فى امتحان الرئاسة؛ وإذا كانت ملونة فإن أيام أوباما قد ولت؛ ولا توجد حاجة إلى إظهار الاحترام لهذه الفئات كبشر لأنهم فى النظرة «الترامبية» مجرد أدوار ووظائف وعمل ولكنها ليست قيادة أو زعامة. انتخاب ترامب كانت حفلة تخريج الأمريكى الذى لا يعنيه المساواة، فضلا عن المساواة التى لم يكن يبتغيها فى المرأة أو يقبل بها فى المتحولين والمثليين وكان يخشى الإعلان عن ذلك فخرج هذه المرة شاهرا سيفه. ترامب ٢ يذهب بعيدا فى هذه النقطة عندما ينظر إلى خارج الولايات المتحدة حيث لا يوجد لديه إلا انتهازية الأوروبيين، وفشل الجنوب السياسى والاقتصادى، وجنوح الآسيويين. ترامب فى ذلك يعود اقتصاديًا إلى الميركانتيلية فى ثلاثينيات القرن العشرين عندما باتت الجمارك والإجراءات الحمائية جزءًا من نظام للفصل؛ وهى لا تنطبق على الأعداء وإنما أيضا على الحلفاء. الصين سوف تحظى بقدر ملموس من الحصار الاقتصادى بجمارك ورسوم كافيا لكى تبقى بعيدة عن السوق الأمريكية؛ ولا توجد غضاضة فى فرض الحماية إزاء أوروبا وحتى كندا والمكسيك الأعضاء فى السوق الحرة لشمال أمريكا التى وقعها ترامب فى ولايته الأولى.

ترامب ٢ لا يوجد لديه تعاطف مع أوروبا، اللهم إلا تلك التى يحكمها عناصر يمينية مثل «أوربان» فى المجر؛ هنا فإن أوروبا ليست الاتحاد الأوروبى، وإنما هى مجموعة من الدول التى حدث أنها واقعة فى القارة الأوروبية، ولا توجد نية لدى ترامب أن يتعامل معها موحدة، وإنما يتعامل معها فرادى؛ ورغم علمه بالتعاطف الشعبى الأمريكى مع حلف الأطلنطى فإنه يراه عبئا تسرق فيه القدرات الأمريكية لصالح دول أسرفت فى توزيع قدراتها على من ليس لهم الحق فيها. وبكل المعايير فإن النظرة الترامبية لأوكرانيا جارحة بكل المعانى فهو يراها ضحية حماقة توسيع حلف الأطلنطى؛ والسير فى طريق حرب مع إغماض العين عن مخاطرها ونتائجها. وإذا كان بايدن ساخطا فى بداية ولايته على «الحروب الأبدية» التى لا تنتهى فإن ترامب على طريقته يراها تمتص رحيق القوة الأمريكية التى سلمتها نخبة فاقدة للوطنية ولديها استعداد للتسليم فى حماية كلمات فارغة. الغريب هنا أن ترامب لا يبدو مدركا لأبعاد القوة الصينية، ولعله يعتقد أن حرمانها من التجارة والسوق التكنولوجية الأمريكية فيه الكفاية لإفلاس خصم رئيسى. ومن الطبيعى فى هذه الحالة فإنه لن يتشجع بعلاقات بعضها طيب تفرضه المسؤولية الملقاة على عاتق الولايات المتحدة والصين فى قضايا كونية لها علاقة بالاحتباس الحرارى وقضايا البيئة المتفرعة عنها. وفى العموم فإن ترامب ٢ يكره كثيرا الدبلوماسية متعددة الأطراف التى تتعامل مع هذه النوعية من القضايا. وإذا كان ترامب ١ قد شارك أحيانا فى اجتماعات قمة الدول السبع أو حلف الأطلنطى أو ما شابه ذلك، فإن المرجح أنه ربما لن يحضر أيا منها. مجمع ترامب ٢ يختلف عن ترامب ١ فى النوع والكثافة وهو ما سوف يضع أمام الشعب الأمريكى صيغة أخرى فى الحكم والإدارة.

arabstoday

GMT 10:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 10:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

تأخرنا كثيرا دولة الرئيس!

GMT 09:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نواب هل يجرؤون على حجب الثقة ؟

GMT 09:56 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«كاستنج» والتنقيب عن بئر نفط المواهب

GMT 07:10 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 07:09 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 07:08 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 07:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب 1 وترامب 2 ترامب 1 وترامب 2



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
 العرب اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 14:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

80 باكو إسم مسلسل هدى المفتي في رمضان 2025
 العرب اليوم - 80 باكو إسم مسلسل هدى المفتي في رمضان 2025

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab