بقلم - عبد المنعم سعيد
طبقا لتقارير الأمم المتحدة فإن هناك مليون مواطن سودانى نزح عن منزله منذ بدء الأزمة السودانية. وهناك تقارير دولية أكثر بشاعة وخطورة، بعضها يتضمن القتل للمدنيين، وأشكالا مختلفة من التعذيب والاغتصاب إلى آخر منظومة العنف. الصورة توجد فى دول عربية أخرى، والمشاهد الأخيرة فى طرابلس الليبية ترفع الستار عن أزمة دامية وجد أمثالها فى سوريا واليمن ولبنان. ولا يمكن تفسير كل هذه الظواهر العنيفة إلا بالضعف الشديد للمشاعر الوطنية والدولة الوطنية التى تمنع بوجودها مثل هذه المشاهد لأنها فى الأصل تقوم على تراضى مجموعة من البشر على تكوين جماعة سياسية تستقر على قطعة من الأرض وتراعى مصالح الجميع سلطة من نوع أو آخر. هى الوحدة السياسية التى تمتنع فيها عمليات العنف والاغتصاب ولا يتكرر فيها ما نشاهده فى السودان حيث لا يقاتل فقط جيش وطنى مع وحدات منه، وإنما أكثر من ذلك تفرع الأمر إلى صراعات أعراق فى ولايات سودانية.
فى كل هذه الأحوال لا يتولد إلا مشاعر الكراهية والقسوة إلى الدرجة التى يرى فيها القادة أفرادا من جماعتهم يعانون الجوع والعطش والهرب فى أوقات قائظة الطقس قليلة الطعام ولا يسبب لهم ذلك قلقا يدفعهم إلى وقف القتال. المشكلة دائما تبدو عبثية بالمقارنة بمدى العقاب على الوجود فى وطن واحد. وعندما قامت ما سمى بالموجة الثانية من الربيع العربى فى عام ٢٠١٩ فى العراق والسودان ولبنان والجزائر فإن الجماهير فيها رفعت شعار الدولة الوطنية الذى يستبعد الطائفية والعرقية ويعلى من قيمة المصلحة العامة فى الوجود فى وطن مستقر. وقتها قيل بضرورة استبعاد النخبة الدافعة نحو الانقسام والتقسيم، وفى لبنان ذاع الشعار «كلّن يعنى كلّن»، ولكن لم يمض وقت طويل حتى عاد لبنان لما كان عليه. لم يكن هناك ما يكفى من الشعور الوطنى المشترك، ولا الاستعداد لكى تكون الدولة وحدها لها الحق فى استخدام السلاح.